اسم الکتاب : التصور الفني في القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 122
تستحيل من أشياء أخرى. ثم المنظر كله منظر زراعي حيواني فيه حياة.
ألا إنه الإبداع هنا في وحدة الأجزاء ودقة التصوير، وتناسق الإخراج. ومثل هذه اللمسات الدقيقة التي تستوعب دقائق الجزئيات كثير في القرآن، نكتفي منه بهذه الأمثلة، ونضيف إليها المثال التالي لما له من دلالة خاصة:
4- {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} .
فالصورة صورة مبايعة بالأيدي، ولتنسيق الجو كله، جعل "يد الله فوق أيديهم" واستخدام هذا التجسيم في موضع التجريد المطلق، والتنزيه الخالص.
وعلماء البلاغة يسمون مثل هذا: "مراعاة النظير" ويعنون منه الجانب اللفظي؛ لأنهم لم يحاولوا أن يلحظوا جانب التصوير؛ ونحن نأخذ تعبيرهم نفسه "مراعاة النظير"، ونعني به جانب التناسق الفني في الصورة، للمحافظة على "وحدة الرسم" وعلى جو المشهد، وعلى الانسجام العام.
ولكن القرآن لا يستخدم في التصوير هذه "اللمسات الدقيقة" وحدها؛ إنما يستخدم كذلك "اللمسات العريضة" "ونحن نعبر بلغة التصوير؛ لأننا في الواقع أمام تصوير قبل التعبير". هذه اللمسات العريضة قد تجمع بين السماء والأرض في نظام؛ وبين مشاهد الطبيعة ومشاهد الحياة في سياق. حيث تتسع رقعة الصورة
اسم الکتاب : التصور الفني في القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 122