اسم الکتاب : البرهان فى تناسب سور القرآن المؤلف : ابن الزبير الغرناطي الجزء : 1 صفحة : 284
ملكا واختراعا وقد أشار هذا إلى إرغام من توقف منقطعا عن فهم تصرفه سبحانه في عباده بما تقدم وتقريعهم بحسب ما شاء، فكأن قد قيل إذا كانوا له - مِلكا وعبيدا أفلا يتوقف في فعله بهم ما فعل من
تيسير للحسنى أو لغير ذلك مما شاءه بهم على فهم علته أو استطلاع سببه
بل يفعل بهم ما شاء وأراد من غير حجر ولا منع وهو الحكيم الخبير وجه
الحكمة في ذلك التي خفيت عنكم، وأشار قوله: "وله الحمد في الآخرة"
إلى أنه سيطلع عباده المؤمنين من موجبات حمده ما يمنحهم أو يضاعف لهم
من الجزاء وعظيم الثواب في الآخرة على ما لم تبلغه عقولهم في الدنيا ولا وفت به أفكارهم "فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ".
ثم أتبع سبحانه ما تقدم من حمده على ما هو أهله ببسط شواهد حكمته
وعلمه فقال تعالى: "يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها (إلى قوله) (وهو الرحيم الغفور) "،
فبرحمته وغفرانه أنال عباده المؤمنين ما خصهم به وأعطاهم، فله الحمد الذى هو أهله، ثم أتبع هذا بذكر إمهاله من كذب كفر مع عظيم اجترائهم لتبين سعة رحمته ومغفرته فقال تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ (إلى قوله) : "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ" (الآيات: 3 - 9) أى إن في إمهاله سبحانه لهؤلاء بعد عتوهم واستهزائهم في قولهم: "لا تأتينا الساعة" وقوله: "هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ" (آية: 7)
وإغضائهم عن الاعتبار بما بين أيديهم من السماء والأرض وأمنهم أخذهم من أي الجهات، ففي إمهالهم وإدرار أرزاقهم مع عظيم مرتكبهم آيات لمن أناب واعتبر، ثم بسط
اسم الکتاب : البرهان فى تناسب سور القرآن المؤلف : ابن الزبير الغرناطي الجزء : 1 صفحة : 284