و كيفية إنزاله:
قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [1]، وقال: {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [2]، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [3].
والكتب السماوية كلها كانت تنزل على الرسل دَفْعَةً واحدة. ولما كان القرآن تيسر للناس حفظه أنزل كالكتب السماوية دَفْعَةً واحدة من اللوح [1] سورة البقرة: 185. [2] سورة الدخان: 2، 3. [3] سورة القدر: 1.
ولم تكن موافقات القرآن لعمر فقط؛ بل كانت أيضًا لسعد بن معاذ القائل في الإفك: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} .
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما أبطأ على النساء الخبر في أُحُد، خرجن يستخبرن، فإذا رجلان مقبلان على بعير، فقالت امرأة: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: هو لم يزل حيًّا، قالت: فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء؛ فنزل القرآن على ما قالت: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} في آل عمران.
وقال ابن سعد في الطبقات: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فقطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} ثم قطعت يده اليسرى، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} الآية، ثم قتل، فسقط اللواء، قال محمد بن شرحبيل: وما نزلت هذه الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} إلا بعد مقتل مصعب.
فانظر كيف كان القرآن بروحه يسري في عروق المجاهدين، وبنوره يضيء قلوبهم، وبحلاوته ترطب ألسنتهم.