فالفقيه يرى فيه الفروع مبنية على أصول ثابتة، وآية الدَّيْنِ شاهد على ذلك، ففيها تحديد أجل السداد، والإرشاد إلى كتابته وتسجيله بطريقة لا غبن فيها، والإشهاد على ذلك، وترك اختيار الشهود لأصحاب الحق، وغير ذلك، وهي فروع أُسست على أصل ثابت: {لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُون} ..
والأصولي يرى فيه القواعد الكلية التي تُقاس عليها الجزئيات، أو المستنبطة من الجزئيات؛ إقرارًا لأسلوب التفكير في كل من المنطقين: القديم والحديث مع تحاشي عيوبهما، وذلك واضح من قوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} وقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} وقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} وقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .
والمتكلم يرى فيه أسس التفكير القويم، ومناهج التعبير المستقيم، ومجالًا لكل فكر مستنير، لا يعدم السني أو المعتزلي أن يجد منه ما يدعم فكره، ولئن تباينت آراء البشر وهم يستدلون بالقرآن، فلا يعني ذلك تناقض القرآن في نفسه.. وإنما يعني مرونة ألفاظه، وسَعَة مدلولها، لتفسح المجال لكل فكر بناء، والحق واحد لا يتعدد، وكل مجتهد في طلبه الوصول مأجور على اجتهاده، وإن أخطأ فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.. ولو قطع القرآن وحسم كل قضية لم يبقَ للتفكير مجال، ولم يفعل ذلك حتى لا يطمس في الإنسان أخص خصائص الآدمية فيه..
والمؤرخ يرى فيه أخبارًا مسجلة عبرت عن حوادث وقعت