لأن موضوعها كلام الله تعالى، الذي هو ينبوع كل حكمة، ومعدن كل فضيلة، وتحقق لها شرف الصورة؛ لأن صورته إظهار المكنون في القرآن من أسرار أودعها الله فيه، وتحقق لها شرف الغرض؛ لأن مقصدها التمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، والوصول إلى السعادة الحقيقية التى لا فناء لها.
وكل كمال ديني أو دنيوي، عاجل أو آجل، مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى.
قال ابن مسعود: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن".
ولا بد من العلم قبل العمل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} .. فقوله: {مُبَارَكٌ} أي: كثير الخير والمنافع؛ كالشجرة الطيبة تؤتي أكلها كل حين بأذن ربها لمن يستظل بها، وتتشوف نفسه لثمارها. وتدبر الآيات مطلوب شرعي، ولا يكون التدبر بغير فهم ولا فهم إلا بعد تفسير.. وقوله: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} فيه لمحة إلى موافقة القرآن للفطرة الإنسانية، وما هو مركوز فيها قبل أن تشوهها أخطار البيئة ومخلفات الوراثة، وتركات الأجيال المريضة في منكر أصبح في صورة المعروف.
وفي القرآن نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .
وعلى مقدار ما يُعطى المفسر من توفيق الله يكون تأثيره في نفس قرائه وسامعيه.