الموضوع الثامن: جَمْعُ القرآن [1] وتدوينه
عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "قُبض النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن القرآن جُمع في شيء".
وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
وإنما لم يجمع في العهد النبوي؛ لأن الوحي كان لم يزل. فإذا نزلت الآية أمر كتابه بتدوينها في الموضع الذي يختاره الله لها من السور. أضف إلى ذلك حفظ الصحابة له في صدورهم. فبه يصلون ويتعبدون، ومنه يتعلمون، وعليه يقيمون حياتهم العريضة في الدين والدنيا والآخرة. فلم تمضِ لحظة بعد وصوله إلى قلب النبي، فيبلغه إلا وهو مدون في السطور، محفوظ في الصدور، ولعظيم اهتمامه بذلك أرجأ كتابة أي شيء عنه من السُّنَّة إفساحًا لكتابة القرآن.
قال الحاكم في المستدرك: "جُمع القرآن ثلاث مرات؛ إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم".
ويعني هذا الجمع التدوين، ووضع الآيات التي تأخر نزولها في مكانها من السور.
والجمع الثاني: كان في عهد أبي بكر. روى البخاري[2] في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن [1] هذا بحث جليل، قد عُني العلماء بدرسه في كتب علوم القرآن؛ بل أفردوه بالدراسة في مؤلفات خاصة متعددة؛ منها: "المصاحف" لأبي داود، و"الانتصار لنقل القرآن" للقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني وغيرها. [2] في فضائل القرآن، باب جمع القرآن 1/ 183.