عصابة منتخبة وفقهم الله لطلاب كتابه، وقواهم على رعايته وحراسته، وحبب إليهم قراءاته ومدارسته، وهون عليهم الدأب والكلال، وبذل النفس مع الأموال، وركوب الخوف مع الأهوال، فهم يرحلون من البلاد إلى البلاد خائضين في تحصيل قراءاته وأسانيده كل واد.
لا يقطعهم عنه جوع ولا ظمأ، ولا يملهم منه صيف ولا شتاء، مائزين لصحيح القراءات من السقيم، والشاذ من الفاذ وإن المرء ليعجب أشد العجب حين يطالع أسانيد رجال القراءات، ويعلم الجهد الذي بذلوه في تحصيلها، وتمييزهم صحيحها من سقيمها، ومتواترها من شاذها، وتخليصها من كل الشوائب والضعف حتى غدت منتظمة في سلسلة هي أعز من الذهب متماسكة آخذ بعضها بحجز بعض حتى تصل بصاحبها إلى رسول الله صلى الله عيه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل، فهنيئاً لمن حازه، وهنيئاً لأهل القرآن بالقرآن يوم عرضهم على الملك الديان
قال ابن الجزري [1] :
...
وبعد فالإنسان ليس يشرف
إلا بما يحفظه ويعرف
لذاك كان حاملو القرآن
أشراف الأمة أولى الإحسان
وإنهم في الناس أهل الله
وإن ربنا بهم يباهي
وقال في القرآن عنهم وكفى
بأنه أورثه من اصطفى
وهو في الأخرى شافع مشفع
فيه وقوله عليه يسمع
يعطى به الملك مع الخلد إذا
توجه تاج الكرامة كذا
يقرا ويرقى درج الجنان
وأبواه منه يكسيان [1] طيبة النشر: 2.