اسم الکتاب : إعجاز القرآن المؤلف : الباقلاني الجزء : 1 صفحة : 67
كتاب إعجاز القرآن وهو أول كتب الباقلانى نشرا، وأشهرهم ذكرا، وهو أعظم كتاب ألف في الاعجاز إلى اليوم، وإن كره ذلك بعض المتعصبين على المعهد العتيق.
ولقد حدثنى من أثق بصدق حديثه: أن دارا للنشر والطبع استشارت كبيرا منهم في طبع هذا الكتاب بتحقيقي، فكتب إليها بخط يده يقول: " أنا لا أنصح بطبع كتاب إعجاز القرآن للباقلاني، لانه ليس أنفس كتاب في موضوعه "! ! ولما لقيت كاتب هذا التقرير العجيب قذفت سامعتيه بهذا التحدي: " دلنى على كتاب واحد في إعجاز القرآن تربو قيمته على كتاب الباقلانى أو تضارعه "! فأبلس ولم يحر جوابا..* * * ذكر الباقلانى في مقدمته أن الذين ألفوا في " معاني القرآن " من علماء اللغة
والكلام، لم يبسطوا القول في الابانة عن وجه معجزته، والدلالة على مكانه، مع أن الحاجة إلى ذلك البيان أمس، والاشتغال به أوجب، فهو أحق بالتصنيف من الجزء والطفرة والاعراض وغريب النحو وبديع الاعراب.
وأن ما صنفه العلماء في هذا المعنى جاء غير كامل في بابه، قد أخل بتهذيبه، وأهمل ترتيبه، وقد التمس لبعضهم العذر فيما وقع منه من تفريط، لان بيان وجه الاعجاز " مما لا يمكن بيانه إلا بعد التقدم في أمور عظيمة المقدار، دقيقة المسلك، لطيفة المأخذ ".
وقال: إن الجاحظ " صنف في نظم القرآن كتابا لم يزد فيه على ما قاله المتكلمون قبله، ولم يكشف عما يلتبس في أكثر هذا المعنى ".
ثم قال: إن سائلا سأله أن يذكر جملة من القول جامعة، تسقط الشبهات وتزيل الشكوك التى تعرض للجهال، وتنتهى إلى ما يخطر لهم، ويعرض لافهامهم، من الطعن في وجه المعجزة.
فأجابه إلى ذلك، وألف هذا الكتاب، وذكر أنه أشار إلى ما سبق بيانه من غيره، ولم يبسط القول فيه، لئلا يكون ما ألفه مكررا
ويذكرون من البديع قول النبي صلى الله عليه وسلم " خيرُ الناسِ رجلْ
ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، كلما سمع هيعةً طار إليها " [1] .
وقوله: " ربنا تقبل توبتي، واغسل حوبتي " (2) .
/ وقوله: " غلب عليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي حالقة الدين، لا حالقة الشعر " [3] .
وقوله: " الناسُ كإبل مائةٍ، لا تجد فيها راحلةً " [4] .
وقوله: (وهل يكبُّ الناسَ على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم " [5] .
وقوله: " إن مما يُنبت الرَّبيع ما يقتُلُ حبطاً أو يلم " [6] .
وكقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في كلام له قد نقلناه / بعد هذا على [1] في الفائق للزمخشري 3 / 223 " الهيعة: الصيحة التى يفزع منها وأصلها من هاع يهيع إذا جبن " (2) الفائق 1 / 306 وقال الشريف الرضى في المجازات النبوية ص 202: " وهذه استعارة، والحوبة والحوب: المأثم، والمراد احطط عنى وزرى وتغمد ذنبي وخطيئتي، ولكن المعصية لما كانت كالدرن الذى يصيب الانسان فيفحش أثره، ويقبح منظره، أقام عليه الصلاة والسلام إماطة وزرها، وإسقاط إثمها مقام غسل الادران وإماطة الادناس، لان الانسان بعدها يعود نقى الاثواب طاهرا من العاب.
وهذا الدعاء من النبي على وجه التعبد والخضوع والتطامن والخشوع، لا أن له حوبة يستحط وزرها ويستغسل درنها، أو يكون ذلك على طريق التعليم لامته ... ". [3] في الفائق 1 / 290 " هي قطيعة الرحم والتظالم لانها تجتاح الناس وتهلكهم، كما يحلق الشعر، يقال: وقعت فيهم حالقة لا تدع شيئا إلا أهلكته ". [4] البيان والتبيين 2 / 20 وفى اللسان 13 / 294، 295 " الراحلة كل بعير نجيب قوى على الاسفار والاحمال تام الخلق حسن المنظر ... أراد صلى الله عليه وسلم أن الكامل في الخير والزهد في الدنيا مع رغبته في الآخرة والعمل لها قليل، كما أن الراحلة النجيبة نادرة في الابل الكثيرة ". [5] الفائق 1 / 261 والمجازات النبوية 121 - 122 وفى اللسان 4 / 130 عن الازهرى:
" أي ما قالته الالسنة وهو ما يقتطعونه من الكلام الذى لا خير فيه، واحدتها حصيدة، تشبيها بما يحصد من الزرع إذا جذ، وتشبيها للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذى يحصد به ". [6] في اللسان 9 / 140 " الحبط: أن تأكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ لذلك بطونها ولا يخرج عنها ما فيها ".
وفيه 16 / 23 " أو يلم، قال أبو عبيد: معناه أن يقرب من القتل " وفيه 9 / 139 " قال الازهرى: فأما قوله صلى الله عليه وسلم: وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا، فهو مثل الحريص والمفرط في الجمع والمنع، وذلك أن الربيع ينبت أحرار العشب التى تحلوليها الماشية فتستكثر منها حتى تنتفخ بطونها وتهلك، كذلك الذى يجمع الدنيا ويحرص عليها ويشح على ما جمع حتى يمنع ذا الحق حقه منها يهلك في الآخرة بدخول النار واستيجاب العذاب ".
(*)
اسم الکتاب : إعجاز القرآن المؤلف : الباقلاني الجزء : 1 صفحة : 67