بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
السورة الاولى من الزَّهْرَاوَيْنِ 1
ان قلت: ان في القرآ ن الموجز المعجز أشياء مكررة تكراراً كثيراً في الظاهر كالبسملة و"فبأي آلاء" الخ.. و"ويل يومئذ" الخ.. وقصة موسى وأمثالها، مع ان التكرار يُمِلُّ وينافي البلاغة.
قيل لك: "مَا كُلُّ مَا يَتَلأْلأُ يُحْرِقُ" فان التكرار قد يُمِلُّ، لا مطلقاً. بل قد يُستحسن وقد يُسأم. فكمَا أن في غذاء الانسان ماهو قُوت كلما تكرر حلا وكان آنس، وما هو تفكّه ان تكرر مُلَّ وان تجدد اُستُلِذّ، كذلك في الكلام ما هو حقيقة وقوت وقوّة للافكار وغذاء للارواح كلما استعيد اُستحسن واستؤنس بمألوفه كضياء الشمس. وفيه ماهو من قبيل الزينة والتفكه، لذتُه في تجدّد صورتِه وتلوّن لباسه.
اذا عرفت هذا فاعلم! انه كما ان القرآن بمجموعه قوتٌ وقوّة للقلوب لايُمَلُّ على التكرار بل يُستحلى على الإكثار منه، كذلك في القرآن ماهو روح لذلك القوت كلما تكرر تلألأ [2] وفارت اشعة الحق والحقيقة من اطرافه، وفي ذلك البعض ماهو أسّ الأساس والعقدة الحياتية والنور المتجسد بجسدٍ سرمدي كـ (بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيْم) . فيا هذا شاور مذاقك ان كنت ذا مذاق!..
هذا بناء على تسليم التكرار، والاّ فيجوز ان تكون قصة موسى مثلا مذكورة في كل مقامٍ لوجهٍ مناسب من الوجوه المشتملة هي عليها. فان قصة موسى أجدى من تفاريق العصا [3] أخذَها القرآن بيده البيضاء فضةً فصاغتها ذهباً، فخرت سحرةُ البيان ساجدين لبلاغته.
1 عن ابى أمامة الباهلى رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأوا القرآن، فانه يأتى يوم القيامة شفيعاً لاصحابه، اقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران ... الخ الحديث. رواه مسلم. [2] كالمسك ما كررته يتضوع (ت: 31) [3] انك خير من تفاريق العصا، مثل يضرب فيمن نفعه أعمّ من نفع غيره (مجمع الامثال للميدانى) .