يَا اَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ 21 الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَاَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَاَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا ِلله اَنْدَاداً وَاَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 22
مقدمة
اعلم! ان العبادة هي التي ترسِّخ العقائد وتُصيِّرها حالا ومَلَكة؛ اذ الأمور الوجدانية والعقلية إن لم تنمِّها وتربِّها العبادة - التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي - تكن آثارُها وتأثيراتها ضعيفة. وحال الاسلام [1] الحاضرة شاهدة.
واعلم أيضاً! ان العبادة سبب لسعادة الدارين.. وسبب لتنظيم المعاش والمعاد.. وسبب للكمال الشخصيّ والنوعيّ.. وهي النسبة الشريفة العالية بين العبد وخالقه.
أما وجه سببيتها لسعادة الدنيا التي هي مزرعة الآخرة فمن وجوه:
منها: ان الانسان خُلق ممتازاً ومستثنى من جميع الحيوانات بمزاج لطيف عجيب، انتج ذلك المزاج فيه ميلَ الانتخاب وميلَ الأحسن وميلَ الزينة، وميَلاناً فطرياً الى ان يعيش ويحيى بمعيشة وكمال لائقين بالانسانية.. ثم لأجل تلك الميول احتاج الانسان في تحصيل حاجاته في مأكله وملبسه ومسكنه الى تلطيفها واتقانها بصنائع جمة لا يقتدر هو بانفراده على كلها. ولهذا احتاج الى الامتزاج مع أبناء جنسه ليتشاركوا، فيتعاونوا، ثم يتبادلوا ثمرات سعيهم. لكن لما لم يحدد الصانعُ الحكيم قوى البشر الشهوية والغضبية والعقلية بحدٍّ فطريّ لتأمين ترقّيهم بزَمْبَرَكِ [2] الجزء الاختياريّ - لا كالحيوانات التي حُددت قواها - حصل انهماك وتجاوز.. ثم لانهماك القوى وتجاوزها - بسر عدم التحديد - تحتاج الجماعة الى العدالة في تبادل ثمرات السعي.. ثم لأن عقل كل احد لايكفي في درك العدالة احتاج النوع الى عقل كلي للعدالة يستفيد منه عقل العموم. وما ذلك العقل الاّ قانون كليّ، وما هو إلاّ [1] العالم الاسلامي (ت: 92) [2] النابض.