اسم الکتاب : أسرار ترتيب القرآن المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 176
{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} "الماعون: [2]، 3"، وترك تعظيم الخالق في قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} "الماعون: [4]-6"، وترك انتفاع[1] الخلق في قوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} "الماعون: 7".
فلما شرَّفه في هذه السور بهذه الوجوه العظيمة قال: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أي: هذه الفضائل المتكاثرة المذكورة في هذه السور، التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها، فاشتغل أنت بعبادة ربك، إما بالنفس، وهو قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} "الكوثر: 2"، وإما بالمال وهو قوله: {وَانْحَرْ} ، وإما بإرشاد العباد إلى الأصلح، وهو قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} "الكافرون:[1]، 2" الآيات، فثبت أن هذه السورة كالتتمَّة لما قبلها.
وأما كونها كالأصل لما بعدها فهو: أنه تعالى يأمره بعد هذه أن يكف عن أهل الدنيا جميعًا بقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} إلى آخر السورة، ويبطل أديانهم[2]، وذلك يقتضي نصرهم على أعدائهم؛ لأن الطعن على الإنسان في دينه أشد عليه من الطعن[3] في نفسه وزوجه[4]، وذلك مما يجبن عنه كل أحد من الخلق؛ فإن موسى وهارون أرسلا إلى فرعون واحد فقالا: {إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} "طه: 45" ومحمد -صلى الله عليه وسلم- مرسَل إلى الخلق جميعًا، فكأن كل واحد من الخلق كفرعون بالنسبة إليه، فدبر الله في إزالة الخوف الشديد تدبيرًا لطيفًا بأن قدم هذه السورة، وأخبر فيها بإعطائه الخير الكثير، ومن [1] في المطبوعة: "نفع"، وفي "ظ": "إنفاع"، والمثبت من تفسير الرازي. [2] في المطبوعة: "أذاهم" تحريف، والمثبت من "ظ"، وهو في تفسير الرازي. [3] في تفسير الرازي: "الفسق". [4] في تفسير الرازي: "أرواحهم وأموالهم".
اسم الکتاب : أسرار ترتيب القرآن المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 176