responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 638
بَابُ ضَمَانِ الرَّهْنِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} فَعَطَفَ بِذِكْرِ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّهْنِ، فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِأَمَانَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَمَانَةً كَانَ مَضْمُونًا; إذْ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ أَمَانَةً لَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ الْأَمَانَةَ لِأَنَّ الشيء لا يعطف على نفسه وإنما يعطف عَلَى غَيْرِهِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: "الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ". وَقَالَ الثَّقَفِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ: "مَا كَانَ مِنْ رَهْنٍ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثِيَابًا فَهُوَ مَضْمُونٌ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا فَهَلَكَ فَهُوَ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ اشْتَرَطَ الضَّمَانَ فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ". وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: "إنْ عَلِمَ هَلَاكَهُ فَهُوَ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلَاكَهُ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ، يُقَالُ لَهُ صِفْهُ فَإِذَا وَصَفَهُ حَلَفَ عَلَى صِفَتِهِ وَتَسْمِيَةِ مَالِهِ فِيهِ، ثُمَّ يُقَوِّمُهُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَمَّا سَمَّى فِيهِ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى الرَّاهِنُ حَلَفَ عَلَى مَا سَمَّى وَبَطَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ، وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ أُعْطِيَ الْمُرْتَهِنُ مَا فَضُلَ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ". وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ فِيهِ: "إذَا شَرَطَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُصَدَّقٌ فِي ضَيَاعِهِ وَأَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ ضَامِنٌ". وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: "إذَا مَاتَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ فَدَيْنُهُ بَاقٍ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَغْلَقُ" وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمَا فِيهِ إذَا عَلِمَ وَلَكِنْ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هَلَاكَهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي قَوْلِهِ: "لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" قَالَ: "فَأَمَّا غُنْمُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رُدَّ إلَيْهِ، وَأَمَّا غُرْمُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ وَفَّاهُ إيَّاهُ". وَقَالَ اللَّيْثُ: "الرَّهْنُ مِمَّا فِيهِ إذَا هَلَكَ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا فِيهِ إذَا اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ، فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا فِيهِ تَرَادَّا الْفَضْلَ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "هُوَ أَمَانَةٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ بِحَالٍ إذَا هَلَكَ، سَوَاءٌ كَانَ هَلَاكُهُ ظَاهِرًا أو خفيا".

ضَمَانِهِ وَفِي مَعْنَى تَمَامِ الْبَيْعِ فِيهِ وَسُقُوطِ حَقِّ الْبَائِعِ مِنْهُ وَالْبَائِعُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ، ولا يجوز أن يكون عدلا [1] مِنْ قِبَلِ أَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ مُوجِبٌ لَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ أَوْ يَرْضَى بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي أَوْ يَقْبِضُ الثَّمَنَ; وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[1] قوله "عدلا" أي مثلا، وليس المراد العدل بالمعنى الأول. لمصححه.
بَابُ ضَمَانِ الرَّهْنِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} فَعَطَفَ بِذِكْرِ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّهْنِ، فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِأَمَانَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَمَانَةً كَانَ مَضْمُونًا; إذْ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ أَمَانَةً لَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ الْأَمَانَةَ لِأَنَّ الشيء لا يعطف على نفسه وإنما يعطف عَلَى غَيْرِهِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: "الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ". وَقَالَ الثَّقَفِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ: "مَا كَانَ مِنْ رَهْنٍ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثِيَابًا فَهُوَ مَضْمُونٌ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا فَهَلَكَ فَهُوَ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ اشْتَرَطَ الضَّمَانَ فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ". وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: "إنْ عَلِمَ هَلَاكَهُ فَهُوَ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلَاكَهُ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ، يُقَالُ لَهُ صِفْهُ فَإِذَا وَصَفَهُ حَلَفَ عَلَى صِفَتِهِ وَتَسْمِيَةِ مَالِهِ فِيهِ، ثُمَّ يُقَوِّمُهُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَمَّا سَمَّى فِيهِ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى الرَّاهِنُ حَلَفَ عَلَى مَا سَمَّى وَبَطَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ، وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ أُعْطِيَ الْمُرْتَهِنُ مَا فَضُلَ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ". وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ فِيهِ: "إذَا شَرَطَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُصَدَّقٌ فِي ضَيَاعِهِ وَأَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ ضَامِنٌ". وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: "إذَا مَاتَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ فَدَيْنُهُ بَاقٍ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَغْلَقُ" وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمَا فِيهِ إذَا عَلِمَ وَلَكِنْ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هَلَاكَهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي قَوْلِهِ: "لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" قَالَ: "فَأَمَّا غُنْمُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رُدَّ إلَيْهِ، وَأَمَّا غُرْمُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ وَفَّاهُ إيَّاهُ". وَقَالَ اللَّيْثُ: "الرَّهْنُ مِمَّا فِيهِ إذَا هَلَكَ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا فِيهِ إذَا اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ، فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا فِيهِ تَرَادَّا الْفَضْلَ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "هُوَ أَمَانَةٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ بِحَالٍ إذَا هَلَكَ، سَوَاءٌ كَانَ هَلَاكُهُ ظَاهِرًا أو خفيا".
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 638
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست