responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 59
أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا سَحَرَتْهُ فِي جُفِّ طَلْعَةٍ وَهُوَ تَحْتَ رَاعُوفَةِ الْبِئْرِ، فَاسْتُخْرِجَ وَزَالَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ الْعَارِضُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُكَذِّبًا لِلْكُفَّارِ فِيمَا ادَّعَوْهُ مِنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الفرقان: 8] .
وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ وَضْعِ الْمُلْحِدِينَ تَلَعُّبًا بِالْحَشْوِ الطَّغَامِ وَاسْتِجْرَارًا لَهُمْ إلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَالْقَدْحِ فِيهَا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُعْجِزَات الْأَنْبِيَاءِ وَفِعْلِ السَّحَرَةِ، وَأَنَّ جَمِيعَهُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَجْمَعُ بَيْنَ تَصْدِيقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَإِثْبَاتِ مُعْجِزَاتِهِمْ وَبَيْنَ التَّصْدِيقِ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ فِعْلِ السَّحَرَةِ مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] فَصَدَّقَ هَؤُلَاءِ مَنْ كَذَّبَهُ اللَّهُ وَأَخْبَرَ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ وَانْتِحَالِهِ.
وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْيَهُودِيَّةُ بِجَهْلِهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهَا بِأَنَّ ذَلِكَ يَعْمَلُ فِي الْأَجْسَادِ. وَقَصَدَتْ بِهِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ; فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى مَوْضِعِ سِرِّهَا وَأَظْهَرَ جَهْلَهَا فِيمَا ارْتَكَبَتْ وَظَنَّتْ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَّهُ وَخَلَطَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَلَمْ يَقُلْ كُلُّ الرُّوَاةِ إنَّهُ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَإِنَّمَا هَذَا اللَّفْظُ زِيدَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا أَصْلَ لَهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوهِ التَّخْيِيلَاتِ، أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ هِيَ عَلَى حَقَائِقِهَا، وَبَوَاطِنُهَا كَظَوَاهِرِهَا، وَكُلَّمَا تَأَمَّلْتهَا ازْدَدْت بَصِيرَةً فِي صِحَّتِهَا، وَلَوْ جَهَدَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى مُضَاهَاتِهَا وَمُقَابِلَتِهَا بِأَمْثَالِهَا ظَهَرَ عَجْزُهُمْ عَنْهَا; وَمَخَارِيقُ السَّحَرَةِ وَتَخْيِيلَاتُهُمْ إنَّمَا هِيَ ضَرْبٌ مِنْ الْحِيلَةِ وَالتَّلَطُّفِ لِإِظْهَارِ أُمُورٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَمَا يَظْهَرُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهَا، يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ وَالْبَحْثِ وَمَتَى شَاءَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ بَلَغَ فِيهِ مَبْلَغَ غَيْرِهِ وَيَأْتِي بِمِثْلِ مَا أَظْهَرَهُ سِوَاهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي مَعْنَى السِّحْرِ وَحَقِيقَتِهِ مَا يَقِفُ النَّاظِرُ عَلَى جُمْلَتِهِ وَطَرِيقَتِهِ، وَلَوْ اسْتَقْصَيْنَا ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْحِيَلِ لَطَالَ وَاحْتَجْنَا إلَى اسْتِئْنَافِ كِتَابٍ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَيَانُ مَعْنَى السِّحْرِ وَحُكْمِهِ وَالْآنَ حَيْثُ انْتَهَى بِنَا الْقَوْلُ إلَى ذِكْرِ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ حُكْمِهِ وَمَا يَجْرِي عَلَى مُدَّعِي ذَلِكَ مِنْ الْعُقُوبَات عَلَى حَسَبِ مَنَازِلِهِمْ فِي عِظَمِ الْمَأْثَمِ وكثرة الفساد، والله أعلم بالصواب.

بَابُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ السَّاحِرِ وَقَوْلِ السَّلَف فِيهِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَاءَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا

بَابُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ السَّاحِرِ وَقَوْلِ السَّلَف فِيهِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَاءَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قال: "من أتى كاهنا أو عرافا

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 59
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست