responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 580
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ". فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ" يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُنْظَرًا بِنَفْسِ الْإِعْسَارِ دُونَ إنْظَارِ الطَّالِبِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنْظَرًا بِغَيْرِ إنْظَارِهِ لَمَا صَحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ; إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَسْتَحِقَّ الثَّوَابَ إلَّا عَلَى فِعْلِهِ، فَأَمَّا مَنْ قَدْ صَارَ مُنْظَرًا بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الثَّوَابَ بِالْإِنْظَارِ. وَحَدِيثُ أَبِي الْيُسْرِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: مَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِإِنْظَارِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ الْإِنْظَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحَطِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَطَّ لَا يَقَعُ إلَّا بِفِعْلِهِ، فَكَذَلِكَ الْإِنْظَارُ. وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} يَنْصَرِفُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ الْإِنْظَارِ هُوَ تَخْلِيَتُهُ مِنْ الْحَبْسِ وَتَرْكُ عُقُوبَتِهِ; إذْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لَهَا; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جعل مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمًا; فَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ فَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِإِنْظَارِهِ مِنْ الْحَبْسِ، فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَرْكَ لُزُومِهِ. أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّدْبَ وَالْإِرْشَادَ إلَى إنْظَارِهِ بِتَرْكِ لُزُومِهِ وَمُطَالَبَتِهِ، فَلَا يَكُونُ مُنْظَرًا إلَّا بِنَظِرَةِ الطَّالِبِ، بِدَلَالَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: اللُّزُومُ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْسِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا; لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ; لِأَنَّ اللُّزُومَ لَا يَمْنَعُهُ التَّصَرُّفَ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ قِبَلِ الطَّالِبِ مَنْ يُرَاعِي أَمْرَهُ فِي كَسْبِهِ وَمَا يَسْتَفِيدُهُ، فَيَتْرُكُ لَهُ مِقْدَارَ الْقُوتِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِي قَضَاءً مِنْ دَيْنِهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إيجَابُ حَبْسٍ وَلَا عُقُوبَةٍ. وَرَوَى مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ: مَا عَمِلْت؟ قَالَ: مَا عَمِلْت لَك كَثِيرَ عَمَلٍ أَرْجُوَك بِهِ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ، غَيْرَ أَنَّك كُنْت أَعْطَيْتنِي فَضْلًا مِنْ مَالٍ فَكُنْت أُخَالِطُ النَّاسَ فَأُيَسِّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْك، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي فَغَفَرَ لَهُ" فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِنْ أَنَّ الْإِنْظَارَ لَا يَقَعُ بِنَفْسِ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إنْظَارِ الْمُعْسِرِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَى الْمُوسِرِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ غَيْرُ وَاجِبٍ.
وَاحْتَجَّ مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لُزُومِهِ إذَا أَعْسَرَ وَجَعْلَهُ مُنْظَرًا بِنَفْسِ الْإِعْسَارِ، بِمَا رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ بُكَيْر، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا أُصِيبَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ" فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ". فَاحْتَجَّ الْقَائِلُ بِمَا وَصَفْنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ" وَأَنَّ ذَلِكَ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 580
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست