responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 57
لِلشَّخْصِ، وَلَا يَرْتَابُونَ بِهِ وَيَسْأَلُونَهُ هَلْ رَأَيْت فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ أَحَدًا فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَاهُ صَارَ إلَيْهَا؟ فَيَقُولُ: مَا رَأَيْت أَحَدًا وَكَانَ إذَا وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الْفَزَعِ فِي الدَّارِ خَرَجَتْ الْجَوَارِي مِنْ دَاخِلِ الدُّورِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَيَرَى هُوَ تِلْكَ الْجَارِيَةَ وَيُخَاطِبُهَا بِمَا يُرِيدُ، وَإِنَّمَا كَانَ غَرَضُهُ مُشَاهَدَةَ الْجَوَارِي، وَكَلَامَهَا، فَلَمْ يَزُلْ دَأْبُهُ إلَى أَيَّامِ الْمُقْتَدِرِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْبُلْدَانِ وَصَارَ إلَى طَرَسُوسَ وَأَقَامَ بِهَا إلَى أَنْ مَاتَ، وَتَحَدَّثَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَدِيثِهِ وَوُقِفَ عَلَى احْتِيَالِهِ فَهَذَا خَادِمٌ قَدْ احْتَالَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِيلَةِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَهْتَدِ لَهَا أَحَدٌ مَعَ شِدَّةِ عِنَايَةِ الْمُعْتَضِدِ، وَأَعْيَاهُ مَعْرِفَتُهَا وَالْوُقُوفُ عَلَيْهَا وَلَمْ تَكُنْ صِنَاعَتُهُ الْحِيَلَ وَالْمَخَارِيقَ، فَمَا ظَنُّك بِمَنْ قَدْ جَعَلَ هَذَا صِنَاعَةً وَمَعَاشًا؟.
وَضَرْبٌ آخَرُ مِنْ السِّحْرِ وَهُوَ السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالْوِشَايَةِ بِهَا وَالْبَلَاغَاتُ، وَالْإِفْسَادِ وَالتَّضْرِيبِ مِنْ وُجُوهٍ خَفِيَّةٍ لَطِيفَةٍ، وَذَلِكَ عَامٌّ شَائِعٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَرَادَتْ إفْسَادَ مَا بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَصَارَتْ إلَى الزَّوْجَةِ فَقَالَتْ لَهَا: إنَّ زَوْجَك مُعْرِضٌ وَقَدْ سُحِرَ وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَنْك وَسَأَسْحَرُهُ لَك حَتَّى لَا يُرِيدَ غَيْرَك وَلَا يَنْظُرَ إلَى سِوَاك، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَأْخُذِي مِنْ شَعْرٍ حَلَقَهُ بِالْمُوسَى ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ إذَا نَامَ وَتُعْطِينِيهَا، فَإِنَّ بِهَا يَتِمُّ الْأَمْرُ فَاغْتَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِقَوْلِهَا وَصَدَّقَتْهَا ثُمَّ ذَهَبَتْ إلَى الرَّجُلِ وَقَالَتْ لَهُ: إنَّ امْرَأَتَك قَدْ عَلَّقَتْ رَجُلًا وَقَدْ عَزَمَتْ عَلَى قَتْلِك وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا فَأَشْفَقْت عَلَيْك وَلَزِمَنِي نُصْحُك، فَتَيَقَّظْ وَلَا تَغْتَرَّ فَإِنَّهَا عَزَمَتْ عَلَى ذَلِكَ بِالْمُوسَى، وَسَتَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَمَا فِي أَمْرِهَا شَكٌّ فَتَنَاوَمَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا ظَنَّتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ قَدْ نَامَ عَمَدَتْ إلَى مُوسَى حَادٍّ وَهَوَتْ بِهِ لِتَحْلِقَ مِنْ حَلْقِهِ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ، فَفَتَحَ الرَّجُلُ عَيْنَهُ فَرَآهَا وَقَدْ أَهْوَتْ بِالْمُوسَى إلَى حَلْقِهِ فَلَمْ يَشُكَّ فِي أَنَّهَا أَرَادَتْ قَتْلَهُ، فَقَامَ إلَيْهَا فَقَتَلَهَا وَقُتِلَ وَهَذَا كَثِيرٌ لَا يُحْصَى.
وَضَرْبٌ آخَرُ مِنْ السِّحْرِ، وَهُوَ الِاحْتِيَالُ فِي إطْعَامِهِ بَعْضَ الْأَدْوِيَةِ الْمُبَلِّدَةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْعَقْلِ وَالدُّخَنِ الْمُسَدِّرَةِ الْمُسْكِرَةِ، نَحْوُ دِمَاغِ الْحِمَار إذَا طَعِمَهُ إنْسَانٌ تَبَلَّدَ عَقْلُهُ وَقَلَّتْ فِطْنَتُهُ مَعَ أَدْوِيَةٍ كَثِيرَةٍ هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الطِّبِّ، وَيَتَوَصَّلُونَ إلَى أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي طَعَامٍ حَتَّى يَأْكُلَهُ فَتَذْهَبَ فِطْنَتُهُ وَيَجُوزَ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ مِمَّا لَوْ كَانَ تَامَّ الْفِطْنَةِ لَأَنْكَرَهَا، فَيَقُولُ النَّاسُ: إنَّهُ مَسْحُورٌ. وَحِكْمَةٌ كَافِيَةٌ تُبَيِّنُ لَك أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مَخَارِيقُ وَحِيَلٌ لَا حَقِيقَةَ لِمَا يَدَّعُونَ لَهَا أَنَّ السَّاحِرَ وَالْمُعَزِّمَ لَوْ قَدَرَا عَلَى مَا يَدَّعِيَانِهِ مِنْ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَدَّعُونَ وَأَمْكَنَهُمَا الطَّيَرَانُ وَالْعِلْمُ بِالْغُيُوبِ وَأَخْبَارِ الْبُلْدَانِ النَّائِيَةِ وَالْخَبِيئَاتِ وَالسُّرُقِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ مِنْ غَيْرِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا، لَقَدَرُوا عَلَى إزَالَةِ الْمَمَالِكِ وَاسْتِخْرَاجِ الْكُنُوزِ وَالْغَلَبَةِ عَلَى الْبُلْدَانِ بِقَتْلِ الْمُلُوكِ بِحَيْثُ لَا يَبْدَأهُمْ مَكْرُوهٌ، وَلَمَا مَسَّهُمْ السُّوءُ وَلَا

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 57
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست