responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 538
"الْقُنُوتُ طُولُ الْقِيَامِ" وَقَرَأَ {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9] . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ" يَعْنِي الْقِيَامَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "الْقُنُوتُ السُّكُوتُ وَالْقُنُوتُ الطَّاعَةُ". وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ الْقُنُوتِ الدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ جَازَ أَنْ يُسَمَّى مُدِيمَ الطَّاعَةِ قَانِتًا، وَكَذَلِكَ مَنْ أَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ وَالدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ أَطَالَ الْخُشُوعَ وَالسُّكُوتَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ فَاعِلُو الْقُنُوتِ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِيهِ عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ" وَالْمُرَادُ بِهِ: أَطَالَ قِيَامَ الدُّعَاءِ. وَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ شِبْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا رَجَعْت سَلَّمْت عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّهُ قَضَى أَنْ لَا تَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ". وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: "كُنَّا نَرُدُّ السَّلَامَ فِي الصَّلَاةِ فَنُهِينَا عَنْ ذَلِكَ". وَرَوَى إبْرَاهِيمُ الْهِجْرِيُّ عَنْ ابْنِ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] . وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ".
فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ حَظْرُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ.
وَلَمْ تَخْتَلِفْ الرُّوَاةُ أَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ إلَى أَنْ حَظَرَهُ; وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حَظْرِهِ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: "يَجُوزُ فِيهَا لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَلَامُ السَّهْوِ لَا يُفْسِدُهَا. وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَفْسَدُوا الصَّلَاةَ بِوُجُودِهِ فِيهَا عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ وَقَعَ أَوْ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي تَلَوْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَظْرِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، مَعَ احْتِمَالِهِ لَهُ لَوْ لَمْ تَرِدْ الرِّوَايَةُ بِسَبَبِ نُزُولهَا، لَيْسَ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ الْكَلَام الْوَاقِعِ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ وَبَيْنَهُ إذَا قُصِدَ بِهِ إصْلَاحُ الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يُقْصَدْ; وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَظْرِهِ فِيهَا لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ مَا قُصِدَ بِهِ إصْلَاحُ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ مِنْهُ، فَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْجَمِيعِ.
فَإِنْ قِيلَ: النَّهْيُ عَنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ مَقْصُورٌ عَلَى الْعَامِدِ دُونَ النَّاسِي لِاسْتِحَالَةِ نَهْيِ النَّاسِي. قِيلَ لَهُ: حُكْمُ النَّهْيِ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَى النَّاسِي كَهُوَ عَلَى الْعَامِدِ. وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ، فِي الْمَأْثَمِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْوَعِيدِ فَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ فَسَادُ الصَّلَاةِ وَإِيجَابُ قَضَائِهَا

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 538
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست