responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 535
فَأَخْرَجَهُ عَنْهُ وَلِيٌّ وَهُوَ الْأَبُ، وَنَحْنُ نُجِيزُ لِلْوَصِيِّ وَلِغَيْرِ الْوَصِيِّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ هَذِهِ الْحُقُوقَ وَلَا نُجِيزُ عَفْوَهُمْ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَكُونُ الْأُضْحِيَّةُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ وَإِخْرَاجِ مَا لَا يَلْزَمُ مِنْ مِلْكِهَا.
وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ احْتَجَّ لِمَالِكٍ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الزَّوْجَ لَقَالَ "إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الزَّوْجُ" لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ الزَّوْجَيْنِ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ رَاجِعًا إلَيْهِمَا جَمِيعًا، فَلَمَّا عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلَى ذِكْرِ مَنْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالصِّفَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الزَّوْجَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا الْكَلَامُ فَارِغٌ لَا مَعْنَى تَحْتَهُ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَذْكُرُ إيجَابَ الْأَحْكَامِ تَارَةً بِالنُّصُوصِ، وَتَارَةً بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ عَلَيْهِ، وَتَارَةً بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ لِلْمَعَانِي وَهُوَ فِي بَعْضِهَا أَظْهَرُ وَبِهِ أَوْلَى، وَتَارَةً بِلَفْظٍ مُشْتَرَكٍ يَتَنَاوَلُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً يُحْتَاجُ فِي الْوُصُولِ إلَى الْمُرَادِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ; وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْقُرْآنِ.
وَقَوْلُهُ "لَوْ أَرَادَ الزَّوْجَ لَقَالَ أَوْ يَعْفُوَ حَتَّى يَرْجِعَ الْكَلَامُ إلَى الزَّوْجِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَمَا عَدَلَ عَنْهُ إلَى لَفْظٍ مُحْتَمَلٍ" خُلْفٌ مِنْ الْقَوْلِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَيُقَالُ لَهُ: لَوْ أَرَادَ الْوَلِيَّ لَقَالَ "الْوَلِيُّ" وَلَمْ يُورِدْ لَفْظًا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْوَلِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: "إنَّ الْعَافِيَ هُوَ التَّارِكُ لِحَقِّهِ، وَهِيَ إذَا تَرَكَتْ النِّصْفَ الْوَاجِبَ لَهَا فَهِيَ عَافِيَةٍ، وَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا أَعْطَاهَا شَيْئًا غَيْرَ وَاجِبٍ لَهَا لَا يُقَالُ لَهُ عَافٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَاهِبٌ" وَهَذَا أَيْضًا كَلَامٌ ضَعِيفٌ; لِأَنَّ الَّذِينَ تَأَوَّلُوهُ عَلَى الزَّوْجِ قَالُوا: إنَّ عَفْوَهُ هُوَ إتْمَامُ الصَّدَاقِ لَهَا وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَعَانِي اللُّغَةِ وَمَا تَحْتَمِلُهُ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَفْوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ هُوَ قَوْلُهُ "قَدْ عَفَوْت" وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِيهِ تَكْمِيلُ الْمَهْرِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ أَوْ تَمْلِيكُ الْمَرْأَةِ النِّصْفَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الطَّلَاقِ إيَّاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَهْرَ لَوْ كَانَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ لَكَانَ حُكْمُ الْآيَةِ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ وَالنَّدْبُ الْمَذْكُورُ فِيهَا قَائِمًا فِيهِ، وَيَكُونُ عَفْوُ الْمَرْأَةِ أَنْ تُمَلِّكَهُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ لَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ لَا بِأَنْ تَقُولَ "قَدْ عَفَوْت" وَلَكِنْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ؟ فَكَذَلِكَ الْعَفْوُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ لَيْسَ هُوَ أَنْ يَقُولَ "قَدْ عَفَوْت" لَكِنْ بِتَمْلِيكٍ مُبْتَدَأٍ عَلَى حَسَبِ مَا تَجُوزُ التَّمْلِيكَاتُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ وَاسْتَهْلَكَتْهُ كَانَ عَفْوُ الزَّوْجِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إبْرَاءَهَا مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ كَانَ عَفْوُهَا إبْرَاءَهُ مِنْ الْبَاقِي، فَكُلُّ عَفْوٍ أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ فَمِثْلُهُ يُضَافُ إلَى الزَّوْجِ. وَيُقَالُ: فَمَا تَقُولُ فِي عَفْوِ الْوَلِيِّ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ هُوَ فَإِنَّا نَجْعَلُ عَفْوَ الزَّوْجِ عَلَى مِثْلِهَا، فَالِاشْتِغَالُ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَا يُجْدِي نَفْعًا; لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ فِي لَفْظِ الْعَفْوِ وَالْعُدُولُ عَنْهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُنْتَقَضٌ عَلَى قَائِلِهِ، إلَّا أَنِّي ذَكَرْتُهُ إبَانَةً عَنْ اخْتِلَالِ قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ وَلَجَأَهُمْ إلَى تَزْوِيقِ الْكَلَامِ بِمَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ.

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 535
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست