responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 528
وَالْقَاضِي لَا يَبْتَدِئُ إيجَابَ مَهْرِ لَمْ تَسْتَحِقَّهُ كَمَا لَا يَبْتَدِئُ إيجَابَ سَائِرِ الدُّيُونِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةً. وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ قَدْ اسْتَحَقَّتْ مَهْرَ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ وَمَلَكَتْهُ عَلَى الزَّوْجِ حَسَبَ مِلْكِهَا لِلْمُسَمَّى لَوْ كَانَتْ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ لَمَا سَقَطَ كُلُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا لَا يَسْقُطُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى. قِيلَ لَهُ: لَمْ يَسْقُطْ كُلُّهُ; لِأَنَّ الْمُتْعَةَ بَعْضُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَهِيَ بِإِزَاءِ نِصْفِ الْمُسَمَّى لِمَنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ.
وَزَعَمَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ اسْتَبَاحَ الزَّوْجُ الْبُضْعَ، قَالَ: "لِأَنَّ الزَّوْجَ بِإِزَاءِ الزَّوْجَةِ كَالثَّمَنِ بِإِزَاءِ الْمَبِيعِ" فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَهْرُ بِالدُّخُولِ; لِأَنَّ الْوَطْءَ كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهَا عَلَى الزَّوْجِ كَمَا اسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْلِيمَ عَلَيْهَا; إذْ مَا اسْتَبَاحَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِزَاءِ مَا اسْتَبَاحَهُ الْآخَرُ، فَمِنْ أَيْنَ صَارَ الزَّوْجُ مَخْصُوصًا بِإِيجَابِ الْمَهْرِ إذَا دَخَلَ بِهَا؟ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا بِالْمَهْرِ إذَا لَمْ تَسْتَحِقَّ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ، وَوَاجِبٌ أَيْضًا أَنْ لَا تَصِحَّ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ; لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْ جِهَتِهِ بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ كَمَا صَحَّ مِنْ جِهَتِهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ كَمَا لَا يَلْزَمُهَا لَهُ شَيْءٌ; وَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُقَوَّمَ الْبُضْعُ عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ وَبِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ أَخْذُ الْبَدَلِ مِنْهَا لِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ بُضْعِهَا. وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا عَقَلَتْ الْأُمَّةُ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بَدَلًا مِنْ اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ، يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ حِينَ قَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي خَطَبَ إلَيْهِ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ: "قد ملكتها بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ" يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ فِي مَعْنَى الْمَالِكِ لِبُضْعِهَا. وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ الْوَاقِعَ بَعْدَ الْعَقْدِ يُسْقِطُهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ; لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إيجَابُهُ مَعَ مَهْرِ الْمِثْلِ; وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُسْقِطَهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا يَسْقُطُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا أُلْحِقَ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِيهِ، فَمِنْ حَيْثُ بَطَلَ الْعَقْدُ بَطَلَ مَا أُلْحِقَ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ ثُبُوتُهُ كَانَ بِالْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِبُطْلَانِهِ. قِيلَ لَهُ: قَدْ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: "إنَّ الْمُسَمَّى قَدْ بَطَلَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ حَسَبَ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ" وَكَذَلِكَ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: "هَذَا مُتْعَتُهَا".
وَمِنْ النَّاسِ مِنْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي أَنَّ الْمَهْرَ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فَإِذَا سَمَّى دِرْهَمَيْنِ فِي الْعَقْدِ وَجَبَ بِقَضِيَّةِ الْآيَةِ أَنْ لَا تَسْتَحِقَّ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ. وَهَذَا لَا يَدُلُّ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَالُوا وَذَلِكَ; لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الدِّرْهَمَيْنِ عِنْدَنَا تسمية

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 528
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست