responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 522
بَدَلًا مِنْ الطَّلَاقِ; لِأَنَّ الْبُضْعَ يَحْصُلُ لَهَا بِالطَّلَاقِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَحِقَّ بَدَلَ مَا يَحْصُلُ لَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ; وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. قِيلَ لَهُ: أَمَّا قَوْلُك: "فِي اعْتِبَارِ حَالِهِ دُونَ حَالِهَا" فَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا، وَأَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: "يُعْتَبَرُ فِيهِ حَالُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا" وَلَيْسَ فِيهِ خِلَافُ الْآيَةِ; لِأَنَّا نَسْتَعْمِلُ حُكْمَ الْآيَةِ مَعَ ذَلِكَ فِي اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ; وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: "يُعْتَبَرُ حَالُهُ دُونَ حَالِهَا" وَمَنْ قَالَ بِهَذَا يَلْزَمُهُ سُؤَالُ هَذَا السَّائِلِ أَيْضًا; لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنَّمَا وَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِهَا فِي الْحَالِ الَّتِي يَحْصُلُ الْبُضْعُ لِلزَّوْجِ إمَّا بِالدُّخُولِ وَإِمَّا بِالْمَوْتِ الْقَائِمِ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي اسْتِحْقَاقِ كَمَالِ الْمَهْرِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فِي اعْتِبَارِهَا بِأَنْفُسِهَا، وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ عِنْدَنَا إلَّا فِي حَالِ سُقُوطِ حَقٍّ مِنْ بُضْعِهَا لَسَبَبٍ مِنْ قِبَلِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَلَمْ يَجِبْ اعْتِبَارُ حَالِ الْمَرْأَةِ; إذْ الْبُضْعُ غَيْرُ حَاصِلٍ لِلزَّوْجِ بَلْ حَصَلَ لَهَا بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ حُكْمِ الدُّخُولِ، فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ حَالُهُ دُونَهَا، وَأَيْضًا لَوْ سَلَّمْنَا لَك أَنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وُجُوبَهَا; لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ، بِدَلَالَةِ أَنَّ بَدَلَ الْبُضْعِ هُوَ الْمَهْرُ وَقَدْ مَلَكَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ. وَالدُّخُولُ وَالِاسْتِمْتَاعُ إنَّمَا هُوَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَتَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِهِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ بَدَلًا وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وُجُوبَهَا، وَلِذَلِكَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَبِيهِ وَابْنِهِ الصَّغِيرِ بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَالْإِنْفَاقُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وُجُوبَهَا، وَالزَّكَوَاتُ وَالْكَفَّارَاتُ لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ وَهُنَّ وَاجِبَاتٌ; فَالْمُسْتَدِلُّ بِكَوْنِهَا غَيْرَ بَدَلٍ عَنْ شَيْءٍ عَلَى نَفْيِ إيجَابِهَا مُغَفَّلٌ. وَأَيْضًا فَاعْتِبَارُهَا بِالرَّجُلِ وَبِالْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ كَلَامٌ فِي تَقْدِيرِهَا، وَالْكَلَامُ فِي التَّقْدِيرِ لَيْسَ يَتَعَلَّقُ بِالْإِيجَابِ; وَلَا بِنَفْيِهِ. وَأَيْضًا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً بِحَالِ الرَّجُلِ فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ; إذْ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِحَالِ الرَّجُلِ; إذْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ مِنْهُ فِي حَالِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَلَمَّا قَدَّرَهَا بِحَالِ الرَّجُلِ وَلَمْ يُطْلِقْهَا فَيُخَيَّرُ الرَّجُلُ فِيهَا، دَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا; وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ دَلِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ أَيْضًا: لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا تَلْزَمَ الْمُقْتِرَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِذَا لَمْ تَلْزَمْهُ لَمْ تَلْزَمْ الْمُوسِرَ، وَمَنْ أَلْزَمَهَا الْمُقْتِرَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ ظَاهِرِ الْكِتَابِ; لِأَنَّ مَنْ لَا مَالَ لَهُ لَمْ تَقْتَضِ الْآيَةُ إيجَابَهَا عَلَيْهِ; إذْ لَا مَالَ لَهُ فَيُعْتَبَرُ قَدَرُهُ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ نَجْعَلَهَا دَيْنًا عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُخَاطَبًا بِهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ إغْفَالٌ مِنْهُ لِمَعْنَى الْآيَةِ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ "عَلَى الْمُوسِعِ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ وَعَلَى الْمُقْتِرِ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ" وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وَلِلْمُقْتِرِ قَدَرٌ يُعْتَبَرُ بِهِ، وَهُوَ ثُبُوتُهُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَجِدَ فَيُسَلِّمَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 522
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست