responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 52
وَالْحَقِيقَةُ مَا وَصَفْنَا، وَلِذَلِكَ صَارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ أَمْرٍ مُمَوَّهٍ قَدْ قُصِدَ بِهِ الْخَدِيعَةُ وَالتَّلْبِيسُ وَإِظْهَارُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا ثَبَاتَ.
وَإِذْ قَدْ بَيَّنَّا أَصْلَ السِّحْرِ فِي اللُّغَةِ وَحُكْمَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَلْنَقُلْ فِي مَعْنَاهُ فِي التَّعَارُفِ وَالضُّرُوبِ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا هَذَا الِاسْمُ وَمَا يَقْصِدُ بِهِ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ مُنْتَحِلِيهِ وَالْغَرَضِ الَّذِي يَجْرِي إلَيْهِ مُدَّعُوهُ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ:
إنَّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى أَنْحَاءَ مُخْتَلِفَةٍ: فَمِنْهَا سِحْرُ أَهْلِ بَابِلِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} وَكَانُوا قَوْمًا صَابِئِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ وَيُسَمُّونَهَا آلِهَةً وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ حَوَادِثَ الْعَالَمِ كُلِّهَا مِنْ أَفْعَالِهَا وَهُمْ مُعَطِّلَةٌ لَا يَعْتَرِفُونَ بِالصَّانِعِ الْوَاحِدِ الْمُبْدِعِ لِلْكَوَاكِبِ وَجَمِيعِ أَجْرَامِ الْعَالَمِ وَهُمْ الَّذِينَ بَعَثَ اللَّه تَعَالَى إلَيْهِمْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحَاجَّهُمْ بِالْحِجَاجِ الَّذِي بَهَرَهُمْ بِهِ وَأَقَامَ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُمْ دَفْعُهُ ثُمَّ أَلْقَوْهُ فِي النَّارِ فَجَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى بَرْدًا وَسَلَامًا، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْهِجْرَةِ إلَى الشَّامِ. وَكَانَ أَهْلُ بَابِلَ وَإِقْلِيمِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالرُّومِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ إلَى أَيَّامِ بيوراسب الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الضَّحَّاكَ وَإِنَّ أَفْرِيدُونَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ دنباوند اسْتَجَاشَ عَلَيْهِ بِلَادَهُ وَكَاتَبَ سَائِرَ مَنْ يُطِيعُهُ وَلَهُ قِصَصٌ طَوِيلَةٌ حَتَّى أَزَالَ مُلْكَهُ وَأَسَرَهُ وَجُهَّالُ الْعَامَّةِ وَالنِّسَاءِ عِنْدَنَا يَزْعُمُونَ أَنَّ أَفْرِيدُونَ حَبَسَ بيوراسب فِي جَبَلٍ دنباوند الْعَالِي عَلَى الْجِبَالِ، وَأَنَّهُ حَيٌّ هُنَاكَ مُقَيَّدٌ، وَأَنَّ السَّحَرَةَ يَأْتُونَهُ هُنَاكَ فَيَأْخُذُونَ عَنْهُ السِّحْرَ، وَأَنَّهُ سَيَخْرُجُ فَيَغْلِبُ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَذَّرْنَاهُ، وَأَحْسَبُهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْ الْمَجُوسِ وَصَارَتْ مَمْلَكَةُ إقْلِيمِ بَابِلَ لِلْفُرْسِ فَانْتَقَلَ بَعْضُ مُلُوكِهِمْ إلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَاسْتَوْطَنُوهَا. وَلَمْ يَكُونُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ بَلْ كَانُوا مُوَحِّدِينَ مُقِرِّينَ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ، إلَّا أَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُعَظِّمُونَ الْعَنَاصِرَ الْأَرْبَعَةَ: الْمَاءَ، وَالنَّارَ، وَالْأَرْضَ، وَالْهَوَاءَ; لِمَا فِيهَا مِنْ مَنَافِعِ الْخَلْقِ وَأَنَّ بِهَا قِوَامُ الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ الْمَجُوسِيَّةَ فِيهِمْ بَعْد ذَلِكَ فِي زَمَانِ "كشتاسب" حِينَ دَعَاهُ "زَرَادُشْتُ" فَاسْتَجَابَ لَهُ عَلَى شَرَائِطَ وَأُمُورٍ يَطُولُ شَرْحُهَا، وَإِنَّمَا عَرَضْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْإِبَانَةَ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ سَحَرَةُ بَابِلَ. وَلَمَّا ظَهَرَتْ الْفُرْسُ عَلَى هَذَا الْإِقْلِيمِ كَانَتْ تَتَدَيَّنُ بِقَتْلِ السَّحَرَةِ وَإِبَادَتِهَا، وَلَمْ يَزُلْ ذَلِكَ فِيهِمْ وَمِنْ دِينِهِمْ بَعْدَ حُدُوثِ الْمَجُوسِيَّةِ فِيهِمْ وَقَبْلَهُ إلَى أَنْ زَالَ عَنْهُمْ الْمُلْكُ وَكَانَتْ عُلُومُ أَهْلِ بَابِل قَبْلَ ظُهُورِ الْفُرْسِ عَلَيْهِمْ الْحِيَلَ والنيرنجيات وَأَحْكَامِ النُّجُومِ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ أَوْثَانًا قَدْ عَمِلُوهَا عَلَى أَسْمَاءِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَجَعَلُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا هَيْكَلًا فِيهِ صَنَمُهُ وَيَتَقَرَّبُونَ إلَيْهَا بِضُرُوبٍ مِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى حَسَبِ اعْتِقَادَاتِهِمْ مِنْ مُوَافَقَةِ ذَلِكَ لِلْكَوْكَبِ الَّذِي يَطْلُبُونَ مِنْهُ بِزَعْمِهِمْ فِعْلَ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 52
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست