responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 505
أَبِي حَنِيفَةَ فِي عِدَّةِ الشُّهُورِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي مُدَّةِ الْعِدَدِ وَأَجَلِ الْإِيلَاءِ وَالْأَيْمَانِ وَالْإِجَارَاتِ إذَا عُقِدَتْ عَلَى الشُّهُورِ مَعَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْأَهِلَّةُ فِي سَائِرِ شُهُورِهِ سَوَاءً كَانَتْ نَاقِصَةً أَوْ تَامَّةً، وَإِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا. وَأَمَّا وَجْهُ مَنْ اعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَسَائِرَ الشُّهُورِ بِالْأَهِلَّةِ ثُمَّ يُكْمِلُ الشَّهْرَ الْآخَرَ بِالْأَيَّامِ مَعَ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ ابْتِدَاؤُهُ وَانْتِهَاؤُهُ بِالْهِلَالِ، وَاحْتَجْنَا إلَى اعْتِبَارِهِ، فَوَاجِبٌ اعْتِبَارُهُ بِالْهِلَالِ نَاقِصًا كَانَ أَوْ تَامًّا، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاعْتِبَارِهِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَشَعْبَانَ; وَكُلُّ شَهْرٍ لَمْ يَكُنْ ابْتِدَاؤُهُ وَانْتِهَاؤُهُ بِالْأَهِلَّةِ فَهُوَ ثَلَاثُونَ، وَإِنَّمَا يَنْقُصُ بِالْهِلَالِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ابْتِدَاءُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْهِلَالِ وَجَبَ فِيهِ اسْتِيفَاءُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ آخِرِ الْمُدَّةِ، وَسَائِرُ الشُّهُورِ لَمَّا أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا بِالْأَهِلَّةِ وَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِهَا. وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ سَائِرَ الشُّهُورِ بِالْأَيَّامِ يَقُولُ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ بِالْهِلَالِ وَجَبَ اسْتِيفَاءُ هَذَا الشَّهْرِ بِالْأَيَّامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَيَكُونُ انْقِضَاؤُهُ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ يَكُونُ كَذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ الشُّهُورِ. قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ هَذَا الشَّهْرُ مِنْ أَحَدِ الشُّهُورِ وَيُجْعَلَ مَا بَيْنَهُمَا شُهُورًا بِالْأَهِلَّةِ لِأَنَّ الشُّهُورَ سَبِيلُهَا أَنْ تَكُونَ أَيَّامُهَا مُتَّصِلَةً مُتَوَالِيَةً، فَوَجَبَ اسْتِيفَاءُ شَهْرٍ كَامِلٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مُنْذُ أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَيَّامًا مُتَوَالِيَةً فَيَقَعُ ابْتِدَاءُ الشَّهْرِ الثَّانِي فِي بَعْضِ الشَّهْرِ الثَّانِي، فَتَكُونُ الشُّهُورُ وَأَيَّامُهَا مُتَوَالِيَةً مُتَّصِلَةً. وَمَنْ يَعْتَبِرُ الْأَهِلَّةَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الشُّهُورِ بَعْدَ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَحْتَجُّ بِمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ اسْتَقْبَلَ الشَّهْرَ الَّذِي يَلِيهِ بِالْهِلَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ انْتِهَاؤُهُ بِالْهِلَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] . وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحْرَمَ وَصَفَرَ وَرَبِيعَ الْأَوَّلَ وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعِ الْآخِرِ، فَاعْتُبِرَ الْهِلَالُ فِيمَا يَأْتِي مِنْ الشُّهُورِ دُونَ عَدَدِ الْأَيَّامِ، فَوَجَبَ مِثْلُهُ فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْمُدَّةِ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَعَشْراً} ظَاهِرُهَا أَنَّهَا اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ مُرَادَةٌ مَعَهَا، وَلَكِنْ غُلِّبَتْ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ إذَا اجْتَمَعَتْ فِي التَّارِيخِ وَغَيْرِهِ; لِأَنَّ ابْتِدَاءَ شُهُورِ الْأَهِلَّةِ بِاللَّيَالِيِ مُنْذُ طُلُوعِ الْأَهِلَّةِ، فَلَمَّا كَانَ ابْتِدَاؤُهَا اللَّيْلَ غُلِّبَتْ اللَّيَالِي وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ دُونَ الْأَيَّامِ وَإِنْ كَانَتْ تُفِيدُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ، وَلَوْ ذَكَرَ جَمْعًا مِنْ الْأَيَّامِ أَفَادَتْ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي; وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً} [آل عمران: 41] وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} [مريم: 10] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، فَاكْتَفَى تَارَةً بِذِكْرِ الْأَيَّامِ عَنْ اللَّيَالِي وَتَارَةً بِذِكْرِ اللَّيَالِي عَنْ الْأَيَّامِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ" وَفِي لَفْظٍ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 505
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست