responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 493
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وَاتِّفَاقُ السَّلَفِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ إيجَابِ النَّفَقَةِ يَقْضِيَانِ بِفَسَادِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} عَائِدٌ عَلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِينَ فِي النَّفَقَةِ وَالْمُضَارَّةِ، وَغَيْرُ جَائِزٌ لِأَحَدٍ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ السَّلَفِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَرَثَةِ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّ الْأَخَ وَالْعَمَّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمِيعِ. وَمِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَى الْأَبِ وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَجَبَ عَلَى مَنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} إلَى قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] فَذَكَرَ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَجَعَلَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِذَلِكَ، لَوْلَاهُ لَمَا أَبَاحَهُ لَهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذُكِرَ فِيهِ: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] وَلَا يَسْتَحِقَّانِ النَّفَقَةَ. قِيلَ لَهُ: هُوَ مَنْسُوخٌ عَنْهُمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُ ذَوَى الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَوْجَبُوا النَّفَقَةَ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ إذَا كَانَ وَارِثًا قِيلَ لَهُ: الظَّاهِرُ يَقْتَضِيهِ وَخَصَّصْنَاهُ بِدَلَالَةٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} مُوجِبًا لِلنَّفَقَةِ عَلَى كُلِّ وَارِثٍ، فَالْوَاجِبُ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمَا مِنْهُ. قِيلَ لَهُ: إنَّمَا الْمُرَادُ "وَعَلَى الْوَارِث غَيْرِ الْأَبِ" وَذَلِكَ; لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَبِ فِي أَوَّلِ الْخِطَابِ بِإِيجَابِ جَمِيعِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ دُونَ الْأُمِّ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْأَبَ مَعَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ; لِأَنَّهُ يُوجِبُ نَسْخَ مَا قَدْ تَقَدَّمَ، وَغَيْرُ جَائِزٍ وُجُودُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي خِطَابٍ; إذْ كَانَ النَّسْخُ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْحُكْمِ وَالتَّمْكِينِ مِنْ الْفِعْلِ. وَذَكَرَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ إذَا وُلِدَ مَوْلُودٌ وَأَبُوهُ مَيِّتٌ أَوْ مَعْدُومٌ فَعَلَى أُمِّهِ أَنْ تُرْضِعَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} فَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا بِسُقُوطِ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ، فَإِنْ انْقَطَعَ لَبَنُهَا بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَسْتَرْضِعَ فَلَمْ تَفْعَلْ وَخَافَتْ عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَرْضِعَ لَا مِنْ جِهَةِ مَا عَلَى الْأَبِ لَكِنْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إعَانَةَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ إذَا أَمْكَنَهُ.
وَهَذَا الْفَصْلُ مِنْ كَلَامِهِ يَشْتَمِلُ عَلَى ضُرُوبٍ مِنْ الِاخْتِلَافِ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَوْجَبَ الرَّضَاعَ عَلَى الْأُمِّ لِقَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} وَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 493
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست