responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 478
فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا مِثْلَ ذَلِكَ لَمَا كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا، فَلَمَّا تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْعَقْدِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ جَوَازَ الْعَقْدِ، كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ وَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَيْضًا لَمَّا جَازَ الْعِتْقُ عَلَى قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، كَانَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لَمَّا جَازَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ بَدَلُ الْبُضْعِ كَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ تَضْمَنَهُ الْمَرْأَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا; لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْبُضْعِ فِي الْحَالَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ الْخُلْعُ فَسْخًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِقَالَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ. قِيلَ لَهُ: قَوْلُك: إنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ لِعَقْدٍ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الطَّلَاقُ مُبْتَدَأٌ كَهُوَ لَوْ لَمْ يُشْرَطْ فِيهِ بَدَلٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ; لِأَنَّهُ لَوْ خَلَعَهَا عَلَى أَقَلَّ مِمَّا أَعْطَاهَا جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْإِقَالَةُ غَيْرُ جَائِزَةٍ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي جَوَازِ الْخُلْعِ بِغَيْرِ شَيْءٍ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْخُلْعِ دُونَ السُّلْطَانِ، فَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَا يَكُونُ الْخُلْعُ حَتَّى يَعِظَهَا، فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا حَجَرَهَا فَإِنْ اتَّعَظَتْ ارْتَفَعَا إلَى السُّلْطَانِ فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا فَيَرُدَّانِ مَا يَسْمَعَانِ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفَرِّقَ فَرَّقَ وَإِنَّ رَأَى أَنْ يَجْمَعَ جَمَعَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ فِي آخَرِينَ: أَنَّ الْخُلْعَ جَائِزٌ دُونَ السُّلْطَانِ. وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ زِيَادٌ أَوَّلَ مَنْ رَدَّ الْخُلْعَ دُونَ السُّلْطَانِ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَوَازِهِ دُونَ السُّلْطَانِ; وَكِتَابُ اللَّهِ يُوجِبُ جَوَازَهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] فَأَبَاحَ الْأَخْذَ مِنْهَا بِتَرَاضِيهِمَا مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " فَقَالَتْ: نَعَمْ فَقَالَ لِلزَّوْجِ: "خُذْهَا وَفَارِقْهَا" يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخُلْعُ إلَى السُّلْطَانِ شَاءَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَبَيَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُمَا لَا يُقِيمَانِ حُدُودَ اللَّهِ لَمْ يَسْأَلْهُمَا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وَلَا خَاطَبَ الزَّوْجَ بِقَوْلِهِ "اخْلَعْهَا" بَلْ كَانَ يَخْلَعُهَا مِنْهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ، وَإِنْ أَبَيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، كَمَا لَمَّا كَانَتْ فُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ إلَى الْحَاكِمِ، لَمْ يَقُلْ لِلْمُلَاعِنِ خَلِّ سَبِيلَهَا بَلْ فَرِّقْ بَيْنَهُمَا، كَمَا رَوَى سَهْلُ بن سعد: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ"، كَمَا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا" وَلَمْ يَرْجِعْ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجِ; فَثَبَتَ بِذَلِكَ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 478
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست