responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 438
فَإِنْ قِيلَ: تَأْجِيلُ الْعِنِّينِ حَوْلًا بِالِاتِّفَاقِ، وَتَخْيِيرُ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فِي الْحَوْلِ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْأَجَلِ; كَذَلِكَ مَا ذَكَرْت مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ إيجَابُ الْوَقْفِ بَعْدَ الْمُدَّةِ لَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِيهَا. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ تَقْدِيرُ أَجَلِ الْعِنِّينِ، وَإِنَّمَا أُخِذَ حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ; وَاَلَّذِينَ قَالُوا إنَّهُ يُؤَجَّلُ حَوْلًا هُمْ الَّذِينَ خَيَّرُوهَا بِمُضِيِّهِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَلَمْ يُوقِعُوا الطَّلَاقَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّخْيِيرِ مَعَهَا، فَالزَّائِدُ فِيهَا مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ أَجَلَ الْعِنِّينِ إنَّمَا يُوجِبُ لَهَا الْخِيَارَ بِمُضِيِّهِ، وَأَجَلُ الْمُولِي عِنْدَك إنَّمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْفَيْءَ، فَإِنْ قَالَ: أَفِيءُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَالَ الْعِنِّينُ: أَنَا أُجَامِعُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِاخْتِيَارِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْإِيلَاءُ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَلَا كِنَايَةٍ عَنْهُ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ. قِيلَ لَهُ: وَلَيْسَ اللِّعَانُ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَلَا كِنَايَةٍ عَنْهُ، فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ أَنْ لَا تُوقَعَ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ. وَلَا يَلْزَمُنَا عَلَى أَصْلِنَا; لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ الْفُرْقَةِ; إذْ كَانَ قَوْلُهُ لَا أَقْرَبُك يُشْبِهُ كِنَايَةَ الطَّلَاقِ; وَلَمَّا كَانَ أَضْعَفَ أَمْرًا مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إلَّا بِانْضِمَامِ أَمْرٍ آخَرَ إلَيْهِ وَهُوَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يَقُولُهُ; إذْ قَدْ وَجَدْنَا مِنْ الْكِنَايَاتِ مَا لَا يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ إلَّا بِانْضِمَامِ مَعْنًى آخَرَ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ خَيَّرْتُك وَقَوْلُ: أَمْرُك بِيَدِك فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ إلَّا بِاخْتِيَارِهَا. فَكَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ فِي الْإِيلَاءِ: إنَّهُ كِنَايَةٌ، إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ حَالًا مِنْ سَائِرِ الْكِنَايَاتِ، فَلَا يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ بِاللَّفْظِ دُونَ انْضِمَامِ مَعْنًى آخَرَ إلَيْهِ. فَأَمَّا اللِّعَانُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَعْنَى الْكِنَايَاتِ; لِأَنَّ قَذْفَهُ إيَّاهَا بِالزِّنَا وَتَلَاعُنَهُمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ الْبَيْنُونَةِ بِحَالٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللِّعَانَ مُخَالِفٌ لِلْإِيلَاءِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حُكْمَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالْإِيلَاءُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِغَيْرِ الْحَاكِمِ، فَكَذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْفُرْقَةِ. وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَارَقَ الْعِنِّينَ أَيْضًا لِأَنَّ تَأْجِيلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَاكِمِ، وَالْإِيلَاءُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ، فَكَذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حُكْمِ الْفُرْقَةِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} دَلَّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا مَسْمُوعًا وَهُوَ الطَّلَاقُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ السَّمِيعَ لَا يَقْتَضِي مَسْمُوعًا; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ سَمِيعًا وَلَا مَسْمُوعَ. وَأَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا وَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ" وَأَيْضًا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 438
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست