responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 406
فَإِنْ قِيلَ: مَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] قَاصِرًا لِحُكْمِهِ عَلَى الذِّمِّيَّاتِ مِنْهُنَّ دُونَ الْحَرْبِيَّاتِ؟ قِيلَ لَهُ: الْآيَةُ إنَّمَا اقْتَضَتْ النَّهْيَ عَنْ الْوِدَادِ، وَالتَّحَابِّ، فَأَمَّا نَفْسُ عَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَصِيرُ سَبَبًا لِلْمُوَادَّةِ، وَالتَّحَابِّ، فَنَفْسُ الْعَقْدِ لَيْسَ هُوَ الْمُوَادَّةَ، وَالتَّحَابَّ إلَّا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنُوا لَهُ غَيْرَهُنَّ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا قَالَ عَقِيبَ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ حَرَّمَ نِكَاحَهُنَّ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ الذِّمِّيَّاتِ، وَالْحَرْبِيَّاتِ مِنْهُنَّ، فَوَجَبَ تَحْرِيمُ نِكَاحِهِنَّ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ. قِيلَ لَهُ: مَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ عِلَّةً مُوجِبَةً لِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكَانَ غَيْرُ جَائِز إبَاحَتُهُنَّ بِحَالٍ، فَلَمَّا وَجَدْنَا نِكَاحَ الْمُشْرِكَاتِ قَدْ كَانَ مُبَاحًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إلَى أَنْ نَزَلَ تَحْرِيمُهُنَّ مَعَ وُجُودِ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ دُعَاءُ الْكَافِرِينَ لَنَا إلَى النَّارِ. دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ بِعِلَّةٍ مُوجِبَةٍ لِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ; وَقَدْ كَانَتْ امْرَأَةُ نُوحٍ وَامْرَأَةُ لُوطٍ كَافِرَتَيْنِ تَحْتَ نَبِيَّيْنِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10] فَأَخْبَرَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِمَا مَعَ وُجُودِ الْكُفْرِ مِنْهُمَا، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكُفْرَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ مُوجِبَةٍ لِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ; وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ فِي سِيَاقِ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} فَجَعَلَهُ عَلَمًا لِبُطْلَانِ نِكَاحهنَّ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تَجُرِّي مَجْرَى الْعِلَل الشَّرْعِيَّةِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَأْكِيدٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ مِنْ الِاسْمِ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ كَتَخْصِيصِ الِاسْمِ. وَإِذَا كَانَ قَوْله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] يَجُوز بِهِ تَخْصِيصُ التَّحْرِيمِ الَّذِي عَلَقَ بِالِاسْمِ، جَازَ أَيْضًا تَخْصِيصُ الْحُكْمِ الْمَنْصُوبِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أُجْرِيَ مَجْرَى الْعِلَل الشَّرْعِيَّةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المائدة: 91] فَذَكَر مَا يَحْدُثُ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَحْظُورَةِ وَأَجْرَاهَا مَجْرَى الْعِلَّة; وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إجْرَاؤُهَا فِي مَعْلُولَاتهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ وَالْمُنَاكَحَاتِ وَعُقُودِ الْمُدَايَنَات لِإِرَادَةِ الشَّيْطَان إيقَاعَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَنَا فِي سَائِرهَا وَأَنْ يَصُدَّنَا بِهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى فِي سَائِر مَا وُجِدَ فِيهِ بَلْ كَانَ مَقْصُورَ الْحُكْمِ عَلَى الْمَذْكُور دُونَ غَيْره كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 406
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست