responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 39
عَلَيْنَا الْمُخَالِفُ فِي تَجْوِيزِنَا تَحْرِيمَةَ الصَّلَاةَ بِلَفْظِ التَّعْظِيمِ وَالتَّسْبِيحِ، وَفِي تَجْوِيزِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي تَجْوِيزِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَالْبَيْعِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَلْزَمُنَا فِيمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} إنَّمَا هُوَ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} يَعْنِي حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا: هَذَا الْأَمْرُ حَقٌّ، كَمَا قِيلَ لَكُمْ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا لَا إلَهِ إلَّا اللَّهُ فَقَالُوا بَدَلَ هَذَا حِنْطَةٌ حَمْرَاءُ تَجَاهُلًا وَاسْتِهْزَاءً وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ الْحَسَنِ: إنَّمَا اسْتَحَقُّوا الذَّمَّ لَتَبْدِيلِهِمْ الْقَوْلَ إلَى لَفْظٍ فِي ضِدِّ الْمَعْنَى الَّذِي أُمِرُوا بِهِ; إذْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ فَصَارُوا إلَى الْإِصْرَارِ وَالِاسْتِهْزَاءِ. فَأَمَّا مِنْ غَيْر اللَّفْظُ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَعْنَى فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ; إذْ كَانَتْ الْآيَةُ إنَّمَا تَضَمَّنَتْ الْحِكَايَةَ عَنْ فِعْلِ قَوْمٍ غَيَّرُوا اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا فَأَلْحَقَ بِهِمْ الذَّمَّ بِهَذَا الْقَوْلِ وَإِنَّمَا يُشَارِكُهُمْ فِي الذَّمِّ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِي الْفِعْلِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَأَمَّا مَنْ غَيَّرَ اللَّفْظَ وَأَتَى بِالْمَعْنَى فَلَمْ تَتَضَمَّنَهُ الْآيَةُ، وَإِنَّمَا نَظِيرُ فِعْلِ الْقَوْمِ إجَازَةُ مَنْ يُجِيزُ الْمُتْعَةَ مَعَ قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: 30] ، فَقَصْرَ اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَمَنْ اسْتَبَاحَهُ بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَهَذَا الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَلْحَقَهُ الذَّمُّ بِحُكْمِ الْآيَةِ.
وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} إلَى قَوْلِهِ: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} إلَى آخَرِ الْآيَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ قِصَّةِ الْمَقْتُولِ وَذَبْحِ الْبَقَرَةِ ضُرُوبٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى الْمَعَانِي الشَّرِيفَةِ: فَأَوَّلُهَا: أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} وَإِنْ كَانَ مُؤَخَّرًا فِي التِّلَاوَةِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ مِنْ شَأْنِ الْبَقَرَةِ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ إنَّمَا كَانَ سَبَبُهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذِكْرَ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ مُؤَخَّرًا فِي التِّلَاوَةِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي النُّزُولِ، وَالْآخَرُ: أَنَّ تَرْتِيبَ نُزُولِهَا عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ تِلَاوَتِهَا وَنِظَامِهَا وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: "اُذْكُرْ; إذْ أَعْطَيْت أَلْفَ دِرْهَمِ زَيْدًا; إذْ بَنَى دَارِي" وَالْبِنَاءُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَطِيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْبَقَرَةِ مُقَدَّمٌ فِي النزول قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ قَدْ ذُكِرَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ أُضْمِرَتْ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ ذِكْرِ الطُّوفَانِ وَانْقِضَائِهِ: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ هَلَاكِهِمْ; لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْكَلَامِ وَتَأْخِيرَهُ إذَا كَانَ بَعْضُهُ مَعْطُوفًا عَلَى

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 39
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست