responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 386
آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7] . وَإِنَّمَا كَانَ مُتَشَابِهًا لِاحْتِمَالِهِ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ، وَإِتْيَانُ اللَّهِ وَاحْتِمَالُهُ أَنْ يُرِيدَ أَمْرَ اللَّهِ وَدَلِيلَ آيَاتِهِ، كَقَوْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] فَجَمِيعُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام: 158] ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ وَلَا الْمَجِيءُ وَلَا الِانْتِقَالُ وَلَا الزَّوَالُ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ وَدَلَالَاتِ الْحَدَثِ. وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ مُحْكَمَةٍ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وَجَعَلَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا شَهِدَهُ مِنْ حَرَكَاتِ النُّجُومِ وَانْتِقَالِهَا وَزَوَالِهَا دَلِيلًا عَلَى حُدُوثِهَا، وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 83] يَعْنِي فِي حَدَثِ الْكَوَاكِبِ، وَالْأَجْسَامِ; تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِ الْمُشَبِّهَةِ عُلُوًّا كَبِيرًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: "جَاءَ رَبُّك" بِمَعْنَى جَاءَ كِتَابُهُ، أَوْ جَاءَ رَسُولُهُ، أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: هَذَا مَجَازٌ، وَالْمُجَازُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82] وَهُوَ يُرِيدُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ، وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 57] وَهُوَ يَعْنِي، أَوْلِيَاءَ اللَّهِ. وَالْمَجَازُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، أَوْ فِيمَا لَا يَشْتَبِهُ مَعْنَاهُ عَلَى السَّامِعِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْأُمُورُ كُلُّهَا قَبْلَ أَنْ يُمَلِّكَ الْعِبَادَ شَيْئًا مِنْهَا لَهُ خَاصَّةً، ثُمَّ مَلَّكَهُمْ كَثِيرًا مِنْ الْأُمُورِ، ثُمَّ تَكُونُ الْأُمُورُ كُلُّهَا فِي الْآخِرَةِ إلَيْهِ دُونَ خَلْقِهِ، جَازَ أَنْ يَقُولَ: تُرْجَعُ إلَيْهِ الْأُمُورُ. وَالْمَعْنَى الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 53] يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ، لَا عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكِنْ إلَيْهِ ثُمَّ صَارَتْ إلَيْهِ، لَكِنْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ سِوَاهُ، كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:
وَمَا الْمَرْءُ إلَّا كَالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ ... يَحُورُ رَمَادًا بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ
وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّهُ يَصِيرُ رَمَادًا لَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَمَادًا مَرَّةً ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا كَانَ.
قَوْله تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} الْآيَةَ، قِيلَ فِيهِ: إنَّهُمْ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْكُفْرِ، وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي مَذَاهِبِهِمْ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ إلَّا أَنَّهُمْ قَلِيلُونَ فِي نَفْسِهِمْ، وَجَائِزٌ إذَا كَانَ كَذَلِكَ إطْلَاقُ اسْمِ الْأُمَّةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ لِانْصِرَافِهِ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 386
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست