responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 378
بَابُ الْوُقُوفِ بِجُمَعٍ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ هُوَ الْمُزْدَلِفَةُ وَتُسَمَّى جَمْعًا. فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الذِّكْرَ هُوَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ اللَّتَيْنِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَالذِّكْرُ الثَّانِي في قوله: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} هُوَ الذِّكْرُ الْمَفْعُولُ عِنْدَ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ غَدَاةَ جَمْعٍ، فَيَكُونُ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ غَيْرَ الثَّانِي. وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى ذِكْرًا، قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا" وَتَلَا عِنْدَ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 214] فَسَمَّى الصَّلَاةَ ذِكْرًا، فَعَلَى هَذَا قَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ تَأْخِيرَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلى أن

بَابُ الْوُقُوفِ بِجُمَعٍ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ هُوَ الْمُزْدَلِفَةُ وَتُسَمَّى جَمْعًا. فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الذِّكْرَ هُوَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ اللَّتَيْنِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَالذِّكْرُ الثَّانِي في قوله: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} هُوَ الذِّكْرُ الْمَفْعُولُ عِنْدَ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ غَدَاةَ جَمْعٍ، فَيَكُونُ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ غَيْرَ الثَّانِي. وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى ذِكْرًا، قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا" وَتَلَا عِنْدَ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 214] فَسَمَّى الصَّلَاةَ ذِكْرًا، فَعَلَى هَذَا قَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ تَأْخِيرَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلى أن

الْغُرُوبِ هُوَ الدَّفْعُ، فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الدَّفْعُ هُوَ وَقْتَ الْفَرْضِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ لَا يَكُونُ وَقْتًا لِلْفَرْضِ. وَأَيْضًا لَمَّا قِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَنُقِلَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ" وَمِنْهَا: "إنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ يَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ" وَلِذَلِكَ أَطْلَقَتْ الْأُمَّةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهَارَ وَقْتُ الْفَرْضِ فِيهِ، وَأَنَّ الْوُقُوفَ لَيْلًا إنَّمَا يَفْعَلهُ مَنْ وَقَفَ فَائِتًا; أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمُ الْأَضْحَى، وَيَوْمُ الْفِطْرِ كَانَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ وَاقِعَةً فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ نَهَارًا وَلِذَلِكَ أُضِيفَتْ إلَيْهَا؟ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوُقُوفِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَنَّهُ يُفْعَلُ لَيْلًا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لِمَا فَاتَهُ، كَمَا يَرْمِي الْجِمَارَ لَيْلًا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لِمَا فَاتَهُ نَهَارًا، وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ، وَالذَّبْحُ، وَالْحَلْقُ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوفِ، فَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: "كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ عُرَنَةَ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ". وَرَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "ارْتَفَعُوا عَنْ وَادِي عَرَفَةَ، وَالْمِنْبَرِ عَنْ مُسِيلَةَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مَوْقِفٌ". وَلَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاةُ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ; وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْهَا إذَا صَارَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَخَالَفَهُمْ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَدَفَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَمِنْ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ الطُّلُوعِ. وَرَوَى سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابن عباس قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ الْبِرُّ فِي إيجَافِ الْخَيْلِ وَلَا فِي إيضَاعِ الْإِبِلِ وَلَكِنْ سَيْرًا حَسَنًا جَمِيلًا، وَلَا تُوطِئُوا ضَعِيفًا وَلَا تُؤْذُوا مُسْلِمًا". وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: "كَانَ سَيْرُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَدْفَعُ مِنْ عَرَفَاتٍ الْعَنَقَ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ". وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 378
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست