responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 371
قوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فَمَنْ أَحْرَمَ وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} قَالَ: التَّلْبِيَةَ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَقَالَتْ عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ: لَا إحْرَامَ إلَّا لِمَنْ أَهَلَّ وَلَبَّى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُ مِنْ تَأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} عَلَى مَنْ أَحْرَمَ لَا يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى الْإِحْرَامَ جَائِزًا بِغَيْرِ تَلْبِيَةٍ; لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَقُولَ فَمَنْ أَحْرَمَ وَشَرَطَ الْإِحْرَامَ أَنْ يُلَبِّيَ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ جَوَازُ الدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ بِغَيْرِ تَلْبِيَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مُقَامَهَا مِنْ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَسَوْقِهِ. وَأَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ الدُّخُولَ فِي الْإِحْرَامِ إلَّا بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَسَوْقِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ قُرَادِ بْنِ أَبِي نُوحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ كَأَنَّهَا حَزِينَةٌ فَقَالَ: "مَا لَكِ؟ " فَقَالَتْ: لَا أَنَا قَضَيْتُ عُمْرَتِي وَأَلْفَانِي الْحَجُّ عَارِكًا، قَالَ: "ذَلِكَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَحُجِّي وَقُولِي مَا يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ فِي حَجِّهِمْ" وَذَلِكَ يَدُلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّلْبِيَةِ; لِأَنَّهَا الَّذِي يَقُولُهُ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَأَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْوُجُوبِ وَيَدُلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ". وَالتَّلْبِيَةُ مِنْ الْمَنَاسِكِ، وَقَدْ فَعَلَهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَيَدُلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: مُرْ أُمَّتَكَ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ" فَيُضَمَّنُ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: فِعْلُ التَّلْبِيَةِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَبَقِيَ حُكْمُهُ فِي فِعْلِ التَّلْبِيَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةَ يَنْتَظِمَانِ أَفْعَالًا مُتَغَايِرَةً مُخْتَلِفَةً مَفْعُولَةً بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَشْبَهَتْ الصَّلَاةَ لَمَّا تَضَمَّنَتْ أَفْعَالًا مُتَغَايِرَةً مُخْتَلِفَةً مَفْعُولَةً بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ شَرْطُ الدُّخُولِ فِيهَا الذِّكْرَ، كَذَلِكَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ فِيهِمَا بِالذِّكْرِ، أَوْ مَا يَقُومُ مُقَامَهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا قَلَّدَ بَدَنَةً وَسَاقَهَا وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَقَدْ أَحْرَمَ، وَقَدْ رَوَى ابْنَا جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ مَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً فَقَدْ أَحْرَمَ". وَاخْتَلَفَ السَّلَف فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْن عُمَر: إذَا قَلَّدَ بَدَنَةً فَقَدْ أَحْرَمَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَقِيسِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ، وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ قَلَّدَهَا وَسَاقَهَا، وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ; لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ الْإِحْرَامَ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ قَالَ: "إنِّي قَلَّدْتُ الْهَدْيَ فَلَا أَحِلُّ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ" فَأَخْبَرَ أَنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ وَسَوْقَهُ كَانَ الْمَانِعَ لَهُ مِنْ الْإِحْلَالِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ قَائِمٌ مُقَامَ التَّلْبِيَةِ فِي بَابِ الدُّخُولِ فِيهِ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 371
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست