responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 369
فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِحْرَامَ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمه عَلَى وَقْتِهِ، وَيَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وقوله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْآيِ الَّتِي فِيهَا تَوْقِيتُ الْعِبَادَاتِ.
قِيلَ لَهُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ، وَفِيهِ ضَمِيرٌ يَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِهِ إلَى دَلَالَةٍ مِنْ غَيْرِهِ لِاحْتِمَالِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جَوَازَ الْحَجِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فَضِيلَةُ الْحَجِّ; فَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوْقِيتِ الْمَذْكُورِ فِيهِ لِمَاذَا هُوَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال عَلَى تَوْقِيتِ الْإِحْرَامِ بِالْأَشْهُرِ عَلَى جِهَةِ الْإِيجَابِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ فِيهَا عَلَى الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْإِيجَابُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ لغيرها بقوله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِنْ الْأَوَامِرِ الْمُوَقَّتَةِ.
وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّا سَلَّمْنَا لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ لَمْ تَلْزَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، مِنْ قَبْلِ أَنَّ تَقْدِيمَ إحْرَامِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا إنَّمَا لَمْ يَجُزْ مِنْ حَيْثُ اتَّصَلَتْ فُرُوضُهَا وَأَرْكَانُهَا بِالْإِحْرَامِ وَسَائِرُ فُرُوضِهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ مُتَرَاخِيَةً عَنْ تَحْرِيمَتِهَا، فَلِذَلِكَ كَانَ حُكْمُ تَحْرِيمَتِهَا حُكْمُ سَائِرِ أَفْعَالِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازُ إحْرَامِ الْحَجِّ فِي وَقْتٍ يَتَرَاخَى عَنْهُ سَائِرُ أَفْعَالِهِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ شَيْءٌ مِنْ فُرُوضِهِ عَقِيبَ إحْرَامِهِ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَا.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: وَهُوَ أَنَّ كَوْنَهُ مَنْهِيَّا عَنْ فِعْلِ الْإِحْرَامِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ لُزُومِهِ، وَكَوْنَ الصَّلَاةِ مَنْهِيَّا عَنْهَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدُّخُولِ فِيهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ بِالصَّلَاةِ مُحْدِثًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ عَامِدًا أَوْ عَارِيًّا وَهُوَ يَجِدُ ثَوْبًا، لَمْ يَصِحَّ دُخُولُهُ فِيهَا، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَهُوَ مُخَالِطٌ لِامْرَأَتِهِ أَوْ لَابِسٌ ثِيَابًا، كَانَ إحْرَامُهُ وَاقِعًا وَلَزِمَهُ حُكْمُهُ مَعَ مُقَارَنَةِ مَا يُفْسِدُهُ; فَلَمْ يَجُزْ اعْتِبَارُ أَحْكَامِ إحْرَامِ الْحَجِّ بِالصَّلَاةِ.
وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ تَرْكَ بَعْضِ فُرُوضِ الصَّلَاةِ يُفْسِدُهَا، مِثْلُ الْحَدَثِ وَالْكَلَامِ وَالْمَشْيِ وَمَا جَرَى وَمَجْرَى ذَلِكَ. وَتَرْكُ بَعْضِ فُرُوضِ الْإِحْرَامِ لَا يُفْسِدُهُ; لِأَنَّهُ لَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ اصْطَادَ لَمْ يُفْسِدُهُ مَعَ كَوْنِ تَرْكِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَرْضًا فِيهِ.
وَأَيْضًا وَجَدْنَا مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ مَا يُفْعَلَ بِمَدِّ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَكُونُ مَفْعُولًا فِي وَقْتِهِ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاة يُفْعَلُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ أَصْلًا لِلْإِحْرَامِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ دَلِيلًا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ بَعْضُ فُرُوضِ الْحَجِّ مَفْعُولًا بَعْدَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَكُونَ ذَلِكَ وَقْتًا لَهُ، كَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ إحْرَامَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَكُونَ ذَلِكَ وَقْتًا; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمَا جَازَ تَأْخِيرُ شَيْءٍ مِنْ فُرُوضِهِ عنه كالصلاة.

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 369
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست