responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 315
تَأْوِيلًا مِنْهُ وَرَأْيًا; لِأَنَّ قَوْلَهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} لَا مَحَالَةَ نَزَلَ بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ النَّقْلِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ لِإِمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِمَا بِأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مُرَتَّبًا عَلَى قَوْلِهِ: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إلَّا عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: "فَإِنْ تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٌ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ" فَثَبَتَ بِذَلِكَ حَظْرُ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ إلَّا أَنْ يُقَاتَلُوا، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: "وَإِنَّمَا أُحِلَّ لِي الْقِتَالُ بِهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ"، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمَئِذٍ حِينَ قَتَلَ رَجْلٌ مِنْ خُزَاعَةَ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٌ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، وَرَجُلٌ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، وَرَجُلٌ قَتَلَ بِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّةِ" وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْلِ فِي الْحَرَمِ لِمَنْ لَمْ يَجْنِ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عُمُومُ الذَّمِّ لِلْقَاتِلِ فِي الْحَرَمِ، وَالثَّانِي: قَدْ ذَكَرَ مَعَهُ قَتْلَ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْقَتْلُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ قَتْلُ مَنْ اسْتَحَقَّ الْقَتْلُ فَلَجَأَ، وَأَنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْحَرَمَ يَحْظُرُ قَتْلَ مَنْ لَجَأَ إلَيْهِ.
وَهَذِهِ الْآيُ الَّتِي تَلَوْنَاهَا فِي حَظْرِ قَتْلِ مَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ فِي أَنَّ دَلَالَتَهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى حَظْرِ الْقَتْلِ فَحَسْبُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى حُكْمِ مَا دُونَ النَّفْسِ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} مَقْصُورٌ عَلَى حُكْمِ الْقَتْلِ; وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران: 97] وَقَوْلُهُ: {مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} [البقرة: 125] ظَاهِرُهُ الْأَمْنُ مِنْ الْقَتْلِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مَا سِوَاهُ فِيهِ بِدَلَالَةٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَمَنْ دَخَلَهُ} [آل عمران: 97] اسْمٌ لِلْإِنْسَانِ، وَقَوْلُهُ: {كَانَ آمِناً} [آل عمران: 97] رَاجِعٌ إلَيْهِ، فَاَلَّذِي اقْتَضَتْ الْآيَةُ أَمَانَهُ هُوَ الْإِنْسَانُ لَا أَعْضَاؤُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مُقْتَضِيًا لِلنَّفْسِ فَمَا دُونَهَا، فَإِنَّمَا خَصَّصْنَا مَا دُونَهَا بِدَلَالَةٍ وَحُكْمُ اللَّفْظِ بَاقٍ فِي النَّفْسِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّ مَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ وَأَنَّ دُخُولَهُ الْحَرَمِ لَا يَعْصِمُهُ مِنْ الْحَبْسِ، كَذَلِكَ كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ نَفْسًا مِنْ الْحُقُوقِ فَإِنَّ الْحَرَمَ لَا يَعْصِمُهُ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى الدُّيُونِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَل: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يَعْنِي فَإِنْ انْتَهُوا عَنْ الْكُفْرِ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 315
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست