responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 294
بَابُ الِاعْتِكَافِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وَمَعْنَى الِاعْتِكَافِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ هُوَ اللَّبْثُ، قَالَ اللَّهُ: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وَقَالَ تَعَالَى: {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71] ، وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
فَبَاتَتْ بَنَاتُ اللَّيْلِ حَوْلِي عُكَّفًا ... عُكُوفَ الْبَوَاكِي بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ
ثُمَّ نُقِلَ فِي الشَّرْعِ إلَى مَعَانٍ أُخَرَ مَعَ اللَّبْثِ لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ يَتَنَاوَلُهَا فِي اللُّغَةِ; مِنْهَا الْكَوْنُ فِي الْمَسْجِدِ، وَمِنْهَا الصَّوْمُ، وَمِنْهَا تَرْكُ الْجِمَاعِ رَأْسًا وَنِيَّةُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَكُونُ مُعْتَكِفًا إلَّا بِوُجُودِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا فِي الصَّوْمِ إنَّهُ اسْمٌ لِلْإِمْسَاكِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ زِيدَ فِيهِ مَعَانٍ أُخَرُ لَا يَكُونُ الْإِمْسَاكُ صَوْمًا شَرْعِيًّا إلَّا بِوُجُودِهَا. وَأَمَّا شَرْطُ اللَّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ، وَأَمَّا شَرْطُ كَوْنِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الِاعْتِكَافِ فَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فَجَعَلَ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ الْكَوْنَ فِي الْمَسْجِدِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ عَلَى أَنْحَاءٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: رَأَيْتُ نَاسًا عُكُوفًا بَيْنَ دَارِكَ وَدَارِ الْأَشْعَرِيِّ لَا تُعِيرُ. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنْ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةَ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْتَ وَحَفِظُوا وَنَسِيتَ، وَرَوَى إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ نَبِيٍّ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ حُذَيْفَةَ; لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ هِيَ مَسَاجِدُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ. وَقَوْلٌ آخَرُ; وَهُوَ مَا رَوَى إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ فَحَصَلَ مِنْ اتِّفَاقِ جَمِيعِ السَّلَفِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ الْكَوْنَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي عُمُومِ الْمَسَاجِدِ وَخُصُوصِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا; وَلَمْ يَخْتَلِفْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي جَوَازِ الِاعْتِكَافِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْجَمَاعَاتُ إلَّا شَيْءٌ يُحْكَى عَنْ مَالِكٍ ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: لَا يَعْتَكِفُ أَحَدٌ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ فِي رِحَابَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} يُبِيحُ الِاعْتِكَافَ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَاقْتَصَرَ بِهِ عَلَى بَعْضِهَا فَعَلَيْهِ بِإِقَامَةِ

بَابُ الِاعْتِكَافِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وَمَعْنَى الِاعْتِكَافِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ هُوَ اللَّبْثُ، قَالَ اللَّهُ: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وَقَالَ تَعَالَى: {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71] ، وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
فَبَاتَتْ بَنَاتُ اللَّيْلِ حَوْلِي عُكَّفًا ... عُكُوفَ الْبَوَاكِي بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ
ثُمَّ نُقِلَ فِي الشَّرْعِ إلَى مَعَانٍ أُخَرَ مَعَ اللَّبْثِ لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ يَتَنَاوَلُهَا فِي اللُّغَةِ; مِنْهَا الْكَوْنُ فِي الْمَسْجِدِ، وَمِنْهَا الصَّوْمُ، وَمِنْهَا تَرْكُ الْجِمَاعِ رَأْسًا وَنِيَّةُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَكُونُ مُعْتَكِفًا إلَّا بِوُجُودِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا فِي الصَّوْمِ إنَّهُ اسْمٌ لِلْإِمْسَاكِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ زِيدَ فِيهِ مَعَانٍ أُخَرُ لَا يَكُونُ الْإِمْسَاكُ صَوْمًا شَرْعِيًّا إلَّا بِوُجُودِهَا. وَأَمَّا شَرْطُ اللَّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ، وَأَمَّا شَرْطُ كَوْنِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الِاعْتِكَافِ فَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فَجَعَلَ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ الْكَوْنَ فِي الْمَسْجِدِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ عَلَى أَنْحَاءٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: رَأَيْتُ نَاسًا عُكُوفًا بَيْنَ دَارِكَ وَدَارِ الْأَشْعَرِيِّ لَا تُعِيرُ. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنْ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةَ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْتَ وَحَفِظُوا وَنَسِيتَ، وَرَوَى إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ نَبِيٍّ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ حُذَيْفَةَ; لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ هِيَ مَسَاجِدُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ. وَقَوْلٌ آخَرُ; وَهُوَ مَا رَوَى إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ فَحَصَلَ مِنْ اتِّفَاقِ جَمِيعِ السَّلَفِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ الْكَوْنَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي عُمُومِ الْمَسَاجِدِ وَخُصُوصِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا; وَلَمْ يَخْتَلِفْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي جَوَازِ الِاعْتِكَافِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْجَمَاعَاتُ إلَّا شَيْءٌ يُحْكَى عَنْ مَالِكٍ ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: لَا يَعْتَكِفُ أَحَدٌ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ فِي رِحَابَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} يُبِيحُ الِاعْتِكَافَ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ، واقتصر به على بعضها فعليه بإقامة

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 294
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست