responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 288
ذَلِكَ، وَمَتَى فَعَلَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ بَعْضِ النَّهَارِ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّ مَنْ أَكَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَا يَصِحُّ لَهُ صَوْمُ بَقِيَّتِهِ؟ وَكَذَلِكَ مَنْ صَامَ أَوَّلَهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي بَاقِيهِ فَقَدْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ حُكْمِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ رَأْسًا وَأَبْطَلَ بِهِ حُكْمَ مَا فَعَلَهُ كَالرَّاجِعِ فِي الصَّدَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ، فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ فِي صَدَقَةٍ مَقْبُوضَةٍ لَزِمَهُ رَدُّهَا إلَى الْمُتَصَدِّقِ بِهَا عَلَيْهِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ تَطَوُّعًا مَتَى أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَكَانَ الدُّخُولُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ بِالْقَوْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ فَسَادَهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْقُرَبِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ; إذْ هُوَ يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْإِفْسَادِ، قِيلَ لَهُ: هَذَا الْفَرْقُ لَا يَمْنَعُ تَسَاوِيَهُمَا فِي جِهَةِ الْإِيجَابِ بِالدُّخُولِ، وَلَا يَخْلُو هَذَا الْمُحْرِمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالدُّخُولِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ أَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ سَوَاءً أُحْصِرَ أَوْ أَفْسَدَهُ بِفِعْلِهِ; لِأَنَّ مَا قَدْ وَجَبَ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ فِي وُقُوعِ الْفَسَادِ فِيهِ بِفِعْلِهِ أَوْ غَيْر فِعْلِهِ مِثْلُ النَّذْرِ وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ. فَمَتَى اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَهُ إذَا أُحْصِرَ وَتَعَذَّرَ فِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، وَعَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ قَضَتْ بِبُطْلَانِ قَوْلِ الْخَصْمِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ" فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ مَعَ وُقُوعِ الْمَنْعِ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَجَبَ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْقُرَبِ الَّتِي شَرْطُ صِحَّتِهَا إتْمَامُهَا وَكَانَ بَعْضُهَا مَنُوطًا بِبَعْضٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ حُكْمُ خُرُوجِهِ مِنْهَا بِفِعْلِهِ أَوْ غَيْرِ فِعْلِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ حِينَ نَاوَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُؤْرَهُ فَشَرِبَتْهُ ثُمَّ قَالَتْ: إنِّي كُنْتُ صَائِمَةً وَكَرِهْتُ أَنْ أَرُدَّ سُؤْرَكَ; فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إنْ كَانَ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَاقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتِ فَاقْضِي وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَقْضِي".
وَهَذَا حَدِيثٌ مُضْطَرِبُ السَّنَدِ وَالْمَتْنِ جَمِيعًا، فَأَمَّا اضْطِرَابُ سَنَدِهِ فَإِنَّ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ يَرْوِيهِ مَرَّةً عَمَّنْ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ، وَمَرَّةً يَقُولُ هَارُونُ ابْنُ أُمِّ هَانِئٍ أَوْ ابْنُ ابْنَةِ أُمِّ هَانِئٍ، وَمَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ ابْنَيْ أُمِّ هَانِئٍ، وَمَرَّةً عَنْ ابْنِ أُمِّ هَانِئٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَهْلُنَا. وَمِثْلُ هَذَا الِاضْطِرَابِ فِي الْإِسْنَادِ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ ضَبْطِ رُوَاتِهِ، وَأَمَّا اضْطِرَابُ الْمَتْنِ فَمِنْ قِبَلِ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَجَلَسَتْ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 288
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست