responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 271
إثْبَاتِ الْعُسْرِ وَنَفْيِ الْيُسْرِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الْفُرُوضِ وَالنَّوَافِلِ إنَّمَا أُمِرَ بِفِعْلِهَا أَوْ أُبِيحَتْ لَهُ عَلَى شَرِيطَةِ نَفْيِ الْعُسْرِ وَالْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ رَمَضَانَ مُتَفَرِّقًا; لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِيبَ قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وَدَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} قَدْ اقْتَضَى تَخْيِيرَ الْعَبْدِ فِي الْقَضَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّ قَضَاءَهُ مُتَفَرِّقًا أَوْلَى بِمَعْنَى الْيُسْرِ وَأَبْعَدُ مِنْ الْعُسْرِ، وَهُوَ يَنْفِي أَيْضًا إيجَابَ التَّتَابُعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ، وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ، وَمَنْعِهِ التَّأْخِيرَ; لِأَنَّهُ يَنْفِي مَعْنَى الْيُسْرِ وَيُثْبِتُ الْعُسْرَ.
وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَهْلِ الْجَبْرِ وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهُ يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ; لِأَنَّ تَكْلِيفَ الْعَبْدِ مَا لَا يُطِيقُ وَمَا لَيْسَ مَعَهُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْسَرِ الْعُسْرِ، وَقَدْ نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ إرَادَةَ الْعُسْرِ لِعِبَادِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: وَهُوَ أَنَّهُ مَنْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فِي الصَّوْمِ فَاعِلٌ لِمَا لَمْ يُرِدْهُ اللَّهُ مِنْهُ بِقَضِيَّةِ الْآيَةِ، وَأَهْلُ الْجَبْرِ يَزْعُمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ مِنْ مَعْصِيَةٍ أَوْ كُفْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ مُرِيدُهُ مِنْهُ، وَقَدْ نَفَى اللَّهُ بِهَذَا مَا نَسَبُوهُ إلَيْهِ مِنْ إرَادَةِ الْمَعَاصِي، وَيَدُلُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِمْ الْيُسْرَ لِيَحْمَدُوهُ وَيَشْكُرُوهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا لِيَسْتَحِقُّوا عِقَابَهُ; لِأَنَّ مُرِيدَ ذَلِكَ غَيْرُ مُرِيدٍ لِلْيُسْرِ بَلْ هُوَ مُرِيدٌ لِلْعُسْرِ وَلِمَا لَا يَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ وَالْحَمْدَ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَهْلِ الْجَبْرِ وَأَنَّهُمْ وَصَفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَلِيقُ بِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ دَلَّ قَوْلُهُ: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} عَلَى مَعَانٍ: مِنْهَا أَنَّهُ مَتَى غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَعَلَيْنَا إكْمَالُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَيَّ شَهْرٍ كَانَ، لِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، فَقَالَ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ" فَجَعَلَ إكْمَالَ الْعِدَّةِ اعْتِبَارَ الثَّلَاثِينَ عِنْدَ خَفَاءِ الْهِلَالِ. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، لِإِخْبَارِهِ أَنَّ الْفَرْضَ فِيهِ إكْمَالُ الْعِدَّةِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِهِ مُتَفَرِّقًا كَانَ أَوْ مُتَتَابِعًا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ قَضَائِهِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصِدُ إكْمَالَ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ قَدْ يَحْصُلُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ صَامَ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ فِعْلِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى الْمُهْلَةِ مَعَ حُصُولِ إكْمَالِ الْعِدَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْقَضَاءِ شَيْءٌ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ مُرَادَهُ مِنَّا إكْمَالُ الْعِدَّةِ وَقَدْ وُجِدَ، وَفِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ وَإِثْبَاتُ مَا لَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَقْصِدِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِالْهِلَالِ تِسْعَةً وعشرين يوما، لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ}

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 271
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست