responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 268
فَعَلَيْهِ إكْمَالُ عَدَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى شَهْرٍ هُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ لَمَا كَانَ مُكْمِلًا لِلْعِدَّةِ; فَثَبَتَ بِذَلِكَ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ شَهْرَا بِشَهْرٍ وَأَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ إفْطَارَهُ بَعْضَ رَمَضَانَ يُوجِبُ قَضَاءَ مَا أَفْطَرَ بِعَدَدِهِ، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ إفْطَارِ جَمِيعِهِ فِي اعْتِبَارِ عَدَدِهِ. وَأَمَّا إذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ لِلرُّؤْيَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَأَهْلُ مِصْرٍ آخَرَ لِلرُّؤْيَةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَإِنَّمَا أَوْجَبَ أَصْحَابُنَا عَلَى الَّذِينَ صَامُوا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَضَاءَ يوم، لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} فَأَوْجَبَ إكْمَالَ عِدَّةِ الشَّهْرِ; وَقَدْ ثَبَتَ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ أَنَّ الْعِدَّةَ ثَلَاثُونَ يَوْمَا، فَوَجَب عَلَى هَؤُلَاءِ إكْمَالُهَا; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَصِّصْ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ فَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمُخَاطَبِينَ، وَيُحْتَجُّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَقَدْ أُرِيدَ بِشُهُودِ الشَّهْرِ الْعِلْمُ بِهِ; لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمُهُ; فَلَمَّا صَحَّ لَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّ الشَّهْرَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِينَ رَأَوْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ فِي أَوَّلِهِ، قِيلَ لَهُ: هُوَ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ فِي أَوَّلِهِ وَبَعْدَ انْقِضَائِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِشَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ بِمُضِيِّهِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ؟ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرُ قَدْ تَنَاوَلَ الْجَمِيعَ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ". وَاَلَّذِينَ صَامُوا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ قَدْ غُمَّ عَلَيْهِمْ رُؤْيَةُ أُولَئِكَ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِلِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّؤْيَةِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعُدُّوا ثَلَاثِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ" يُوجِبُ اعْتِبَارَ رُؤْيَةِ كُلِّ قَوْمٍ فِي بَلَدِهِمْ دُونَ اعْتِبَارِ رُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ، وَكُلُّ قَوْمٍ رَأَوْا الْهِلَالَ فَالْفَرْضُ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ عَلَى رُؤْيَتِهِمْ فِي الصِّيَامِ وَالْإِفْطَارِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ". وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ أَنْ يَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِمْ وَأَنْ يُفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ انْتِظَارُ رُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ سَائِرِ الْآفَاقِ; فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مُخَاطَبٌ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ، قِيلَ لَهُ: مَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ" عَامٌّ فِي أَهْل سَائِرِ الْآفَاقِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِأَهْلِ بَلَدٍ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ وَجَبَ اعْتِبَارُ رُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ فِي الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ وَجَبَ اعْتِبَارُ رُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ أَيْضًا، فَإِذَا صَامُوا لِلرُّؤْيَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَدْ صَامَ غَيْرُهُمْ أَيْضًا لِلرُّؤْيَةِ ثَلَاثِينَ، فَعَلَى هَؤُلَاءِ قَضَاءُ يَوْمٍ لِوُجُودِ الرُّؤْيَةِ مِنْهُمْ بِمَا يُوجِبُ صَوْمَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَأَمَّا الْمُحْتَجُّ بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ مِنْ الْآفَاقِ اعْتِبَارُ رُؤْيَتِهِمْ دُونَ انْتِظَارِ رُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّمَا يُوجَبُ ذَلِكَ عِنْدَنَا عَلَى شَرِيطَةِ أَنْ لَا تَكُونَ رُؤْيَةَ غيرهم مخالفة

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 268
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست