responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 264
نَوَى فَإِنْ صَامَهُ تَطَوُّعًا فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ، وَالْأُخْرَى: أَنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ عَنْ رَمَضَانَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا فِي الْمُقِيمِ إذَا نَوَى بِصِيَامِهِ وَاجِبًا غَيْرَهُ أَوْ تَطَوُّعًا: إنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ وَيَجْزِيهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي امْرَأَةٍ صَامَتْ رَمَضَانَ تَطَوُّعًا فَإِذَا هُوَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: أَجْزَأَهَا وَقَالَا: مَنْ صَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ تَطَوُّعًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ رَمَضَانُ أَجْزَى عَنْهُ وَقَالَ مَالِكُ وَاللَّيْثُ: مَنْ صَامَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ رَمَضَانُ لَمْ يَجْزِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ دَيْنًا وَلَا قَضَاءً لِغَيْرِهِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَجْزِهِ لِرَمَضَانَ وَلَا لِغَيْرِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَبْتَدِئُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَلَامِ فِي الْمُقِيمِ يَصُومُ رَمَضَانَ تَطَوُّعًا، فَنَقُولُ: الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} إلى قوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} وَلَمْ يُخَصِّصْ صَوْمًا، فَهُوَ عَلَى سَائِرِ مَا يَصُومُهُ مِنْ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرْضٍ فِي كَوْنِهِ مُجْزِيًا عَنْ الْفَرْضِ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الصَّائِمُ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا غَيْرَ أَنْ يَكُونَ صَوْمًا عَمَّا نَوَى دُونَ رَمَضَانَ، أَوْ يَكُونَ مُلْغًى لَا حُكْمَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَصُمْ، أَوْ مُجْزِيًا عَنْ رَمَضَان; فَلَمَّا كَانَ وُقُوعُهُ عَمَّا نَوَى وَكَوْنُهُ مُلْغًى مَانِعَيْنِ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الصِّيَامُ خَيْرًا لَهُ بَلْ يَكُونُ وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ خَيْرًا لَهُ، وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مُلْغًى، وَلَا عَمَّا نَوَى مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ثُمَّ قَالَ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وَمَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إضْمَارُ الْإِفْطَارِ فِيهِ، وَأَنَّ تَقْدِيرَهُ: فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَإِنَّمَا أَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا أَفْطَرَا، فَثَبَتْ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَامَ مِنْ الْمُقِيمِينَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إذْ قَدْ تَضَمَّنَتْ الْآيَةُ صِيَامَ الْجَمِيعِ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ إلَّا مَنْ أَفْطَرَ مِنْ الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ" فَاقْتَضَى ظَاهِرُ ذَلِكَ جَوَازَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَوْقَعَ صَوْمَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ لَمَّا كَانَ مُسْتَحِقَّ الْعَيْنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَشْبَهَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَوْقَعَهُ أَجْزَأَ عَنْ الْفَرْضِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَمَّا نَوَاهُ فَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ أَجْزَى عَنْ الْفَرْضِ لَوَجَبَ أَنْ يُجْزِيَهُ عَمَّا نَوَى كَصِيَامِ سَائِرِ الْأَيَّامِ يُجْزَى عَمَّا نَوَى.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ مُسْتَحَقَّةُ الْعَيْنِ لِهَذَا الْوَقْتِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ جَوَازَهَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ، قِيلَ لَهُ: وَقْتُ الظُّهْرِ غَيْرُ مُسْتَحَقِّ الْعَيْنِ لِفِعْلِهَا; لِأَنَّهُ يَتَّسِعُ لِفِعْلِهَا وَلِغَيْرِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ، فَإِذَا كان فعل

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 264
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست