responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 25
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَذَلِكَ نَسْخٌ، وَغَيْرُ جَائِزٍ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ فُضَيْلٍ وَأَبُو سُفْيَانَ عَنْ أَبِي نَضِرَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: "لَا تَجْزِي صَلَاةٌ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ب الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٌ فِي الْفَرِيضَةِ وَغَيْرِهَا". إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ مَعَهَا غَيْرُهَا. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَا صَلَاةَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ نَفْيُ الْكَمَالِ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهَا مُجْزِيَةٌ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ مَعَهَا غَيْرَهَا فَثَبَتَ أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْكَمَالِ وَإِيجَابَ النُّقْصَانِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفْيَ الْأَصْلِ وَنَفْيَ الْكَمَالِ لِتَضَادِّهِمَا وَاسْتِحَالَةِ إرَادَتِهِمَا جَمِيعًا بِلَفْظِ وَاحِدٍ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً "لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" فَأَوْجَبَ بِذَلِكَ قِرَاءَتَهَا وَجَعْلَهَا فَرْضًا فِيهَا، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى مَا ذَكَرَهُ سَعِيدٌ مِنْ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَشَيْءٍ مَعَهَا، وَأَرَادَ بِهِ نَفْيَ الْكَمَالِ إذَا لَمْ يَقْرَأْ مَعَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ غَيْرَهَا. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ مَعَكَ تَارِيخُ الْحَدِيثَيْنِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالَيْنِ، وَيَحْتَاجُ إلَى دَلَالَةٍ فِي إثْبَاتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَبَرَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ وَلِمُخَالِفِك أَنْ يَقُولَ: لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ اللَّفْظَانِ جَمِيعًا، جَعَلْتهمَا حَدِيثًا وَاحِدًا سَاقَ بَعْضُ الرُّوَاةِ لَفْظَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَأَغْفَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ أَلْفَاظِهِ، وَهُوَ ذِكْرُ السُّورَةِ، فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ حِينَئِذٍ، وَيَثْبُتُ الْخَبَرُ بِزِيَادَةٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَكُونُ لِقَوْلِ خَصْمِك مَزِيَّةٌ عَلَى قَوْلِك، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُعْرَفْ تَارِيخُهُ فَسَبِيلُهُ أَنْ يُحْكَمَ بِوُجُودِهِمَا مَعًا. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِد بِزِيَادَةِ السُّورَةِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَعَ ذِكْرِ السُّورَةِ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ إثْبَاتَ النَّقْصِ، حَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَلَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ" وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 12-13] فَنَفَاهَا بَدْءًا وَأَثْبَتَهَا ثَانِيًا; لِأَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْكَمَالِ لَا نَفْيَ الْأَصْلِ، أَيْ: لَا أَيْمَانَ لَهُمْ وَافِيَةً فَيَفُونَ بِهَا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلَّا اسْتَعْمَلْت الْأَخْبَارَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا وَاسْتَعْمَلْت التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ فِيمَا عَدَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ قِيلَ لَهُ: لَوْ انْفَرَدَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ الْآيَةِ، لَمَا كَانَ فِيهَا مَا يُوجِبُ فَرْضَ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ فِيهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا إثْبَاتَ الْأَصْلِ مَعَ تَرْكِهَا، وَاحْتِمَالُ سَائِرِ الْأَخْبَارِ الْأُخَرِ لِنَفْيِ الْأَصْلِ وَنَفْيِ الْكَمَالَ. وَعَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِتَعْيِينِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا لَمَا جَازَ الِاعْتِرَاضُ بِهَا عَلَى الْآيَةِ وَصَرْفُهَا عَنْ الْوَاجِبِ إلَى النَّفْلِ فِيمَا عَدَا الْكِتَابَ; لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ فَإِنَّك تَجِدُهُ كافيا إن شاء الله تعالى.

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 25
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست