responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 206
جَوَازَ الْوَصِيَّةِ فِي كُلِّ حَالِ، فَلَمَّا خُصَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ "إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ" وَهُمْ إنَّمَا يَكُونُونَ وَرَثَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ، فَالْمَخْصُوصُ مِنْ الْجُمْلَةِ إجَازَتَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عُمُومِ بَقِيَّةِ الْوَصِيَّةِ، وَالنَّظَرُ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ; إذْ لَيْسُوا مَالِكِينَ لِلْمَالِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَلَا تَعْمَلُ إجَازَتُهُمْ فِيهِ كَمَا لَا تَجُوزُ هِبَتُهُمْ وَلَا بَيْعُهُمْ، وَإِنْ حَدَثَ الْمَوْتُ بَعْدَهُ فَالْإِجَازَةُ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا تَقَعُ الْوَصِيَّةُ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَذَلِكَ الْإِجَازَةُ حُكْمُهَا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ وُقُوعِ الْوَصِيَّةِ، وَأَنْ لَا تَعْمَلَ الْإِجَازَةَ قَبْلَ وُقُوعِهَا. وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ لِلْمَيِّتِ إبْطَالُ الْوَصِيَّةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مَعَ كَوْنِهِ مَالِكًا، فَالْوَرَثَةُ أَحْرَى بِجَوَازِ الرُّجُوعِ عَمَّا أَجَازُوهُ، وَإِذَا جَازَ لَهُمْ الرُّجُوعُ فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَصِحُّ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ حَقُّ الْوَرَثَةِ ثَابِتًا فِي مَالِهِ بِالْمَرَضِ وَمِنْ أَجْلِهِ مُنِعَ ذَلِكَ فِي الْمَرَض عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا مُنِعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَالُ الْمَرَضِ حَالَ الْمَوْتِ فِي بَابِ لُزُومِهِمْ حُكْمَ الْإِجَازَةِ إذَا أَجَازُوا. قِيلَ لَهُ: تَصَرُّفُ الْمَرِيضِ جَائِزٌ عِنْدَنَا فِي جَمِيعِ مَالِهِ بِالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَسَائِرِ مَعَانِي التَّصَرُّفِ وَوُجُوهِهِ، وَإِنَّمَا نُسِخَ مِنْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِالْمَوْتِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْوَارِثِ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ عُقُودَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِي مَالِهِ؟ فَكَذَلِكَ إجَازَتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ كَلَا إجَازَةَ، كَمَا لَا يَعْمَلُ فَسْخَهُ فِي عُقُودِهِ. وَأَمَّا مَا فَرَّقَ بِهِ مَالِكٌ بَيْنَ مَنْ يَخْشَى ضَرَرًا مِنْ جِهَتِهِ فِي تَرْكِ الْإِجَازَةِ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَخْشَى ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَا مَعْنَى لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ خَشْيَةَ الضَّرَرِ مِنْ جِهَتِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ عُقُودِهِ، وَقَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ يُكْسِبُهُ ذَلِكَ حُكْمُ الْمُكْرَهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا طَلَبَهُ مِنْهُ، وَقَالَ خَشِيتُ أَنْ تُقْطَعَ عَنِّي نَفَقَتُهُ، وَجِرَايَتُهُ بِتَرْكِ إجَابَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْهَبَهُ الْمَرِيضُ شَيْئًا فَوَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ مَا يَخَافُهُ بِتَرْكِ إجَابَتِهِ مُؤَثِّرًا فِي هِبَتِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَخْشَى مِنْ قِبَلِهِ ضَرَرًا. فَإِذًا لَا اعْتِبَارَ لِخَوْفِ الضَّرَرِ فِي قَطْعِ النَّفَقَةِ وَالْجِرَايَةِ فِي إيجَابِ الْعِتْقِ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

بَابُ تَبْدِيلِ الْوَصِيَّةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} قِيلَ إنَّ الْهَاءَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {فَمَنْ بَدَّلَهُ} عَائِدَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَجَائِزٌ فِيهَا التَّذْكِيرُ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ، وَالْإِيصَاءَ وَاحِدٌ. وَأَمَّا الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: {إِثْمُهُ} فَإِنَّمَا هِيَ عَائِدَةٌ عَلَى التَّبْدِيلِ المدلول عليه

بَابُ تَبْدِيلِ الْوَصِيَّةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} قِيلَ إنَّ الْهَاءَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {فَمَنْ بَدَّلَهُ} عَائِدَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَجَائِزٌ فِيهَا التَّذْكِيرُ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ، وَالْإِيصَاءَ وَاحِدٌ. وَأَمَّا الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: {إِثْمُهُ} فَإِنَّمَا هِيَ عَائِدَةٌ عَلَى التَّبْدِيلِ المدلول عليه

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 206
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست