responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 186
يَنْفِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْعَافِي بِتَرْكِ الْقَوَدِ وَأَخْذِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ عَفَا لَهُ وَإِنَّمَا يُقَالَ لَهُ عَفَا عَنْهُ فَيَتَعَسَّفُ فَيُقِيمُ "اللَّامَ" مَقَامَ عَنْ أَوْ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ عَفَا عَنْ الدَّمِ فَيُضْمِرُ حَرْفًا غَيْرَ مَذْكُورٍ، وَنَحْنُ مَتَى اسْتَغْنَيْنَا بِالْمَذْكُورِ عَنْ الْمَحْذُوفِ لَمْ يَجُزْ لَنَا إثْبَاتُ الْحَذْفِ. وَعَلَى أَنَّ تَأْوِيلَنَا هُوَ سَائِغٌ مُسْتَعْمَلٌ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ ضَمِيرٍ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنَى التَّسْهِيلِ مِنْ جِهَةِ الْقَاتِلِ بِإِعْطَائِهِ الْمَالَ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: {مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} فَقَوْلُهُ: {مِنْ} تَقْتَضِي التَّبْعِيضَ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَتُهَا وَبَابُهَا إلَّا أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيُوجِبُ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِ دَمِ أَخِيهِ، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ هُوَ عَفْوٌ عَنْ جَمِيعِ الدَّمِ، وَتَرْكُهُ إلَى الدِّيَةِ، وَفِيهِ إسْقَاط حكم {مِنْ} ومن وجه آخر وهو قوله: {شَيْءٌ} . وَهَذَا أَيْضًا يُوجِبُ الْعَفْوَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الدَّمِ لَا عَنْ جَمِيعِهِ، فَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْجَمِيعِ لَمْ يُوفِ الْكَلَامَ حَظَّهُ مِنْ مُقْتَضَاهُ وَمُوجِبِهِ; لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ عَنْ الدَّمِ وَطُولِبَ بِالدِّيَةِ، فأسقط حكم قوله: {مِنْ} وقوله: {شَيْءٌ} وَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ تَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى إلْغَاءِ شَيْءٍ مِنْ لَفْظِهَا مَا أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَمَتَى اُسْتُعْمِلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ إسْقَاطٍ مِنْهُ; لِأَنَّهُ إنْ كَانَ التَّأْوِيلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّعْبِيُّ مِنْ نُزُولِهَا عَلَى السَّبَبِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ الدِّيَاتِ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلَفْظِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ فَضَلَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ فِيهِ التَّقَاضِي، وَذَلِكَ بَعْضٌ مِنْ جُمْلَةٍ وَشَيْءٌ مِنْهَا، فَتَنَاوَلَ اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ أَنَّهُ إنْ سَهَّلَ لَهُ بِإِعْطَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ فَالْوَلِيُّ مَنْدُوبٌ إلَى قَبُولِهِ مَوْعُودٌ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَدْ يَتَنَاوَلُ أَيْضًا لِلْبَعْضِ بِأَنْ يَبْذُلَ بَعْضَ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ كُلٍّ مِمَّا أَتْلَفَهُ. وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ الْإِخْبَارَ بِنَسْخِ مَا كَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ إيجَابِ حُكْمِ الْقَوَدِ، وَمَعَ أَخْذِ الْبَدَلِ، فَتَأْوِيلُنَا أَيْضًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَدُّ مُلَاءَمَةً لِمَعْنَى الْآيَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ جَوَازَ الصُّلْحِ مِنْهُمَا عَلَى مَا يَقَعُ الِاصْطِلَاحُ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، فَذَكَرَ الْبَعْضَ، وَأَفَادَ بِهِ حُكْمَ الْكُلِّ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] نَصَّ عَلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ بِعَيْنِهِ، وَأَرَادَ بِهِ مَا فَوْقَهُ، فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ. وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ عَفْوَ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ نَصِيبِهِ، فَهُوَ أَيْضًا يُوَاطِئُ ظَاهِرَ الْآيَةِ لِوُقُوعِ الْعَفْوِ عَنْ الْبَعْضِ دُونَ الْجَمِيعِ. فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ يُصْرَفُ تَأْوِيلُ الْمُتَأَوِّلِينَ مِمَّنْ قَدَّمْنَا قَوْلَهُ فَتَأْوِيلُهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ غَيْرَ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ لِلْوَالِي الْعَفْوَ عَنْ الْجَمِيعِ، وَأَخْذِ الْمَالِ. وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْمَعَانِي الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا عَنْ مُتَأَوِّلِيهَا مُرَادَةً بِالْآيَةِ، فَيَكُونُ نُزُولُهَا عَلَى سَبَبَ نَسْخٍ بِهَا مَا كَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأُبِيحَ لَنَا بِهَا أَخْذُ قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ، وَيَكُونُ الْوَلِيُّ مَنْدُوبًا إلَى الْقَبُولِ إذَا تَسَهَّلَ لَهُ الْقَاتِلُ بِإِعْطَاءِ الْمَالِ، وَمَوْعُودًا عَلَيْهِ بِالثَّوَابِ، وَيَكُونُ السَّبَبُ الَّذِي نَزَلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ حُصُولَ الْفَضْلِ مِنْ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ فِي

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 186
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست