responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 161
عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إطْرَاقُ فَحْلِهَا وَإِعَارَةُ ذَلُولِهَا وَمِنْحَةُ سَمِينِهَا". فَذَكَرَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ، وَبَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ تَأْوِيلُ قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} الْآيَةَ. وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: "فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ" مَا يَلْزَمُ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى ذَوِي الْمَحَارِمِ الْفُقَرَاءِ، وَيَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ لِوَالِدَيْهِ وَذَوِي مَحَارِمِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ عَاجِزِينَ عَنْ الْكَسْبِ. وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ طَعَامِ الْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ. وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَقًّا مَنْدُوبًا إلَيْهِ لَا وَاجِبًا; إذْ لَيْسَ قَوْلُهُ: "فِي الْمَالِ حَقٌّ" يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، إذْ مِنْ الْحُقُوقِ مَا هُوَ نَدْبٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ فَرْضٌ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ الضَّبِّيِّ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ". وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ".
فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَائِرُ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَهَالَةِ رَاوِيهِ فَإِنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَسَنُ السَّنَدِ، وَهُوَ يُوجِبُ أَيْضًا إثْبَاتَ نَسْخِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً بِالزَّكَاةِ، وَذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ التَّوْقِيفِ، فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ مَا قَالَهُ عَلِيٌّ هُوَ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إيَّاهُ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَنْسُوخُ مِنْ الصَّدَقَاتِ صَدَقَاتٍ قَدْ كَانَتْ وَاجِبَةً ابْتِدَاءً بِأَسْبَابٍ مِنْ قِبَلِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْتَضِي لُزُومَ إخْرَاجِهَا ثُمَّ نُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] وَنَحْوَ مَا رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] أَنَّهُ مَنْسُوخٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ بِالْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ، فَيَكُونُ الْمَنْسُوخُ بِالزَّكَاةِ مِثْلَ هَذِهِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ فِي الْمَالِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُ مِنْ نَحْوِ الْإِنْفَاقِ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ التَّكَسُّبِ، وَمَا يَلْزَمُ مِنْ إطْعَامِ الْمُضْطَرِّ، فَإِنَّ هَذِهِ فُرُوضٌ لَازِمَةٌ ثَابِتَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ بِالزَّكَاةِ. وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ تُنْسَخْ بِالزَّكَاةِ مَعَ أَنَّ وُجُوبَهَا ابْتِدَاءً مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَنْسَخْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ. وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا فُرِضَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ، وَلَمْ يَنْهَهُمْ، وَكَانُوا يُخْرِجُونَهَا". فَهَذَا الْخَبَرُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نسخها; لأن

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 161
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست