responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 150
بَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} وَقَالَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] فَلَوْ لَمْ يَرِدْ فِي تَحْرِيمِهِ غَيْرُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَاقْتَضَى ذَلِكَ تَحْرِيمَ سَائِرِ الدِّمَاءِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، فَلَمَّا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْ الدَّمِ هُوَ الْمَسْفُوحُ دُونَ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَوْلُهُ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] خَاصٌّ فِيمَا كَانَ مِنْهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَقَوْلُهُ فِي الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ عَامٌّ فِي سَائِرِ الدِّمَاءِ، فَوَجَبَ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ; إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَخُصُّهُ. قِيلَ لَهُ: قَوْلُهُ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] جَاءَ فِيهِ نَفْيٌ لِتَحْرِيمِ سَائِرِ الدِّمَاءِ إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ بِهَذَا الْوَصْفِ; لِأَنَّهُ قَالَ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ} إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} مُتَأَخِّرًا عَنْ قَوْلِهِ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] أَوْ أَنْ يَكُونَا نَزَلَا مَعًا. فَلَمَّا عَدِمْنَا تَارِيخَ نُزُولِ الْآيَتَيْنِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِنُزُولِهِمَا مَعًا، فَلَا يَثْبُتُ حِينَئِذٍ تَحْرِيمُ الدَّمِ إلَّا مَعْقُودًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسْفُوحًا.
وَحَدَّثَنَا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الْجُرْجَانِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] لَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْعُرُوقِ مَا اتَّبَعَ الْيَهُودُ. وَحَدَثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عن قتادة في قوله: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] قَالَ: حُرِّمَ مِنْ الدَّمِ مَا كَانَ مَسْفُوحًا، وَأَمَّا اللَّحْمُ يُخَالِطُهُ الدَّمُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الدَّمِ يَكُونُ فِي اللَّحْمِ وَالْمَذْبَحِ قَالَتْ: "إنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ".
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ أَكْلِ اللَّحْمِ مَعَ بَقَاءِ أَجْزَاءِ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَتَى صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ ظَهَرَتْ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ فِيهِ؟ وَلَيْسَ هُوَ بِمُحَرَّمٍ;

السَّلَامُ: "أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ" وَقَوْلُهُ: "دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ" عَامٌّ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ النَّجَاسَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْعَجَمِ.

بَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} وَقَالَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] فَلَوْ لَمْ يَرِدْ فِي تَحْرِيمِهِ غَيْرُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَاقْتَضَى ذَلِكَ تَحْرِيمَ سَائِرِ الدِّمَاءِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، فَلَمَّا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْ الدَّمِ هُوَ الْمَسْفُوحُ دُونَ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَوْلُهُ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] خَاصٌّ فِيمَا كَانَ مِنْهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَقَوْلُهُ فِي الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ عَامٌّ فِي سَائِرِ الدِّمَاءِ، فَوَجَبَ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ; إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَخُصُّهُ. قِيلَ لَهُ: قَوْلُهُ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] جَاءَ فِيهِ نَفْيٌ لِتَحْرِيمِ سَائِرِ الدِّمَاءِ إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ بِهَذَا الْوَصْفِ; لِأَنَّهُ قَالَ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ} إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} مُتَأَخِّرًا عَنْ قَوْلِهِ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] أَوْ أَنْ يَكُونَا نَزَلَا مَعًا. فَلَمَّا عَدِمْنَا تَارِيخَ نُزُولِ الْآيَتَيْنِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِنُزُولِهِمَا مَعًا، فَلَا يَثْبُتُ حِينَئِذٍ تَحْرِيمُ الدَّمِ إلَّا مَعْقُودًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسْفُوحًا.
وَحَدَّثَنَا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الْجُرْجَانِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] لَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْعُرُوقِ مَا اتَّبَعَ الْيَهُودُ. وَحَدَثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عن قتادة في قوله: {أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145] قَالَ: حُرِّمَ مِنْ الدَّمِ مَا كَانَ مَسْفُوحًا، وَأَمَّا اللَّحْمُ يُخَالِطُهُ الدَّمُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الدَّمِ يَكُونُ فِي اللَّحْمِ وَالْمَذْبَحِ قَالَتْ: "إنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ".
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ أَكْلِ اللَّحْمِ مَعَ بَقَاءِ أَجْزَاءِ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَتَى صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ ظَهَرَتْ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ فِيهِ؟ وَلَيْسَ هُوَ بِمُحَرَّمٍ;

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 150
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست