responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر المؤلف : فهد الرومي    الجزء : 1  صفحة : 176
بالإيمان وهو ليس في طاقته, ولا يمكن في الواقع ونفس الأمر أن يصدر منه؛ لأنه في الحقيقة مجبور على الكفر في صورة مختارة له؟ كما قال بعضهم.
والجواب عن هذا:
إن تعلق العلم والإرادة بأن فلانا يفعل كذا لا ينافي أن يفعله باختيار إلا إذا تعلق العلم بأن يفعله مضطرا كحركة المرتعش مثلا، ولكن أفعال العباد الاختيارية قد سبق في القضاء بأنها تقع اختيارية, أي: بإرادة فاعليها لا رغما عنهم, وبهذا صح التكليف ولم يكن التشريع عبثا ولا لغوا.
وثم وجه آخر في الجواب، وهو: لو كان سبق العلم أو الإرادة بأن فاعلا يفعل كذا يستلزم أن يكون ذلك الفاعل مجبورا على فعله لكان الواجب، تعالى وتقدس، مجبورا على أفعاله كلها؛ لأن العلم الأزلي قد تعلق بذلك، وكل ما تعلق به العلم الصحيح لا بد من وقوعه.
فتبين بهذا أن الجبرية ومن تلا تلوهم قد غفلوا عن معنى الاختيار واشتبهت عليهم الأنظار فكابروا الحس والوجدان ودابروا الدليل والبرهان وعطلوا الشرائع والأديان وتوهموا أنهم بعظمون الله, ولكنهم ما قدروا الله حق قدره ولا فقهوا سر نهيه وأمره، حيث جرءوا الجهال على التنصل من تبعة الذنوب والأوزار، وادعاء البراءة لأنفسهم والإحالة باللوم على القضاء والقدر، وذلك تنزيه لأنفسهم من دون الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل ذلك إغراء للإنسان بالانغماس في الفسوق والعصيان، فيا عجبا لهم كيف جعلوا أعظم الزواجر من الإغراء وهو الاعتقاد بإحاطة علم الله بالأشياء, أليس من شأن من لم يفسد الجبر فطرته ويظلم الجهل بصيرته أن يكون أعظم مهذب لنفسه ومؤدب لعقله وحسه اعتقاده بأن الله عليم بما يسر ويعلن ويظهر ويبطن, وأنه ناظر إليه ومطلع عليه؟ بلى إن الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك, وأما الذين ضلوا السبيل واتبعوا فاسد التأويل فيقولون كما قال من قبلهم وقص الله علينا ذلك بقوله عز وجل: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} الآية، فانظر كيف رماهم العليم الحكيم بالجهل وجعل احتجاجهم بالقدر من

اسم الکتاب : اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر المؤلف : فهد الرومي    الجزء : 1  صفحة : 176
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست