اسم الکتاب : ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل المؤلف : ابن الزبير الغرناطي الجزء : 1 صفحة : 205
تكرر نحوه فى القرآن فاعلم أن الرسل عليهم السلام لم يجر أمرهم فى دعائهم أممهم إلى الإيمان اولا كما جرى آخرا وبنسبة ذلك جرى جواب أممهم فى مراجعتهم فى الأكثر فإن الرسل عليهم الصلاة والسلام ابتدأوا دعاءهم الأمم بالتلطف والرفق والصبر وبذلك أمروا قال تعالى لموسى عليه السلام فى إرساله فرعون: "فقولا له قولا لينا " وهذا واضح والغال فى مجاوبة أممهم إنما جرى نسبة من هذا ألا ترى قول قوم نوح عليه السلام فى أول دعائه إياهم: "أنؤمن لك واتبعك الأرذلون " وظاهر هذا أنهم إنما أنفوا من الانقياد إلى أمره وقد سبقهم فى ذلك ضعفاؤهم ومن لم يروه بحسب التوهم الخيالى الضعيف أهلا أن يقتدى به وهذا كما قال غيرهم فى إخبار الله تعالى عنهم: "أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " وقول الآخرين: "لو كان خيرا ما سبقونا إليه " وهذا كله ليس إفصاحا بالتكذيب وإن أرادوه وكذا قول قوم نوح عليه السلام: "ما نراك إلا بشرا مثلنا " إلى ما اتبعوه من هذا وإنما أفصحوا بالتكذيب أخيرا قال تعالى فى أمر الكافة من الرسل حين توقف أممهم عن الاستجابة: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا " وقال تعالى فى مكذبيهم: "فلما آسفونا انتقمنا منهم " وتأمل دعاء الرسل حيث دعوا أممهم والتدريج فيما جرى منهم وسير نبينا صلى الله عليه وسلم يلح لك هذا وهو أبين من أن يطول بذكره فعلى هذا قلنا إن مقول قوم نوح فى أول جوابهم له: "إنا لنراك فى ضلال مبين " ليس كقولهم أخيرا: "قد جادلتنا فأكثرت جدالنا " وإنما قالوا: "بل
نظنكم كاذبين " بعد طول محاورة ثم إنهم لم يدعوا علما بما قالوه من ذلك بل أفصحوا بأن ذلك ظن فالمراد والله أعلم بما رمى به قوم نوح نبيهم من الضلالة وإن تضمن من حيث انتشار مواقع التفصيل واحتمل قصدهم الكفر وغيره ليس كما لو أفصحوا أولا فقالوا: إنك كاذب أو كافر واعتبر هذا الذى أوجزته تجده أوضح شئ والله سبحانه أعلم.