responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 574
ويبطنون الكفر، ويكون هذا إخبار عَمَّا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا كَوْنُ هَذِهِ السُّورَةِ مَكِّيَّةً، وَالنِّفَاقُ إِنَّمَا كَانَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ وُقُوعَ النِّفَاقِ فِي سُورَةٍ مَكِّيَّةٍ وَهِيَ الْعَنْكَبُوتُ فَقَالَ: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين}، وعلى هذا فيكون إخباراً عن قول الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ حِينَ يُعَايِنُونَ الْعَذَابَ، فظهر لَهُمْ حينئذٍ غِبُّ مَا كَانُوا يُبْطِنُونَ مِنَ الكفر والنفاق والشقاق، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَعْنَى الْإِضْرَابِ فِي قَوْلِهِ: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ} فإنهم مَا طَلَبُوا الْعَوْدَ إِلَى الدُّنْيَا رَغْبَةً وَمَحَبَّةً فِي الْإِيمَانِ، بَلْ خَوْفًا مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي عاينوه جزاء على مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، فَسَأَلُوا الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِيَتَخَلَّصُوا مِمَّا شَاهَدُوا مِنَ النَّارِ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أي في طلبهم الرَّجْعَةَ رَغْبَةً وَمَحَبَّةً فِي الْإِيمَانِ، ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمُخَالَفَةِ، {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أَيْ فِي قَوْلِهِمْ: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} أَيْ لَعَادُوا لِمَا نهو عنه، ولقالوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حياتنا الدنيا، أَيْ مَا هِيَ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ثُمَّ لَا مَعَادَ بَعْدَهَا، وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}، ثُمَّ قَالَ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} أَيْ أُوقِفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ {قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ}؟ أَيْ أَلَيْسَ هَذَا الْمَعَادُ بِحَقٍّ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ كَمَا كُنْتُمْ تَظُنُّونَ {قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} أَيْ بِمَا كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ فَذُوقُوا الْيَوْمَ مَسَّهُ {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ}؟

- 31 - قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ
- 32 - وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ

يَقُولُ تَعَالَى مخبراً عن خسارة من كذب بلقائه وَعَنْ خَيْبَتِهِ إِذَا جَاءَتْهُ السَّاعَةُ بَغْتَةً، وَعَنْ نَدَامَتِهِ عَلَى مَا فَرَّطَ مِنَ الْعَمَلِ، وَمَا أسلف من قبيح الفعل، وَلِهَذَا قَالَ: {حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} وهذا الضمير يحتمل عوده على الحياة وَعَلَى الْأَعْمَالِ وَعَلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ أَيْ فِي أَمْرِهَا، وَقَوْلُهُ: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} أَيْ يَحْمِلُونَ. وَقَالَ قتادة: يعملون، وقال ابن أبي حاتم عن أبي مرزوق قال: يستقبل الْكَافِرُ أَوِ الْفَاجِرُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ قَبْرِهِ كأقبح صورة رأيتها أنتنه رِيحًا، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَوْ مَا تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ، إلاَّ أنَّ اللَّهَ قبح وجهك وأنتن رِيحَكَ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، هَكَذَا كُنْتَ في الدنيا خبيث العمل منتنه، فطالما ركبتني في الدنيا، هلم أركبك (أخرجه ابن أبي حاتم من حديث عمرو بن قيس عن أبي مرزوق)، فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} الآية، وقال السدي: "ليس من رجل ظالم يدخل قَبْرَهُ إِلَّا جَاءَهُ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ أَسْوَدُ اللون منتن الريح، وعليه ثِيَابٌ دَنِسَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَهُ قَبْرَهُ، فَإِذَا رَآهُ قَالَ: مَا أَقْبَحَ وَجْهُكَ! قَالَ: كَذَلِكَ كَانَ عَمَلُكَ قَبِيحًا، قَالَ: مَا أَنْتَنَ رِيحُكَ! قَالَ: كَذَلِكَ كَانَ عَمَلُكَ مُنْتِنًا، قَالَ: مَا أَدْنَسَ ثِيَابُكَ! قَالَ، فَيَقُولُ: إِنَّ عَمَلَكَ

اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 574
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست