responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 559
قولين (أحدهما): أن يوصي إليهما، سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ سَافَرَ وَمَعَهُ مَالٌ فَأَدْرَكَهُ قَدَرُهُ، فَإِنْ وَجَدَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دَفَعَ إِلَيْهِمَا تَرِكَتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا عَدْلَيْنِ من المسلمين، (والقول الثاني): أنهما يكونا شَاهِدَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ ثَالِثٌ مَعَهُمَا اجْتَمَعَ فِيهِمَا الْوَصْفَانِ الْوِصَايَةُ وَالشَّهَادَةُ، كَمَا فِي قِصَّةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهَا إن شاء الله وبه الوفيق. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ} قَالَ ابن عباس: يعني صلاة العصر، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يَعْنِي صَلَاةَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي صَلَاةَ أَهْلِ دِينِهِمَا، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُقَامَ هَذَانَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ صَلَاةٍ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِيهَا بِحَضْرَتِهِمْ، {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} أَيْ فيحلفنان بِاللَّهِ} أَيْ فَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ {إِنِ ارْتَبْتُمْ} أَيْ إن ظهرت لكم منهما ريبة أنهما خانا أو غلَّا فيحلفان يحينئذ بالله {لا نشتري بِهِ} أي بأيماننا {ثَمَناً} أَيْ لَا نَعْتَاضُ عَنْهُ بِعِوَضٍ قَلِيلٍ مِنَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَرِيبًا لنا لَا نُحَابِيهِ، {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} أَضَافَهَا إلى الله تشريفاً لها وتعظيماً لأمرها.
{إِنَّآ إذا لمن الآثمين} أي فَعَلْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفِ الشَّهَادَةِ أَوْ تَبْدِيلِهَا أَوْ تَغْيِيرِهَا أَوْ كَتْمِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} أَيْ فَإِنِ اشْتَهَرَ وَظَهَرَ وَتَحَقَّقَ مِنَ الشَّاهِدَيْنِ الْوَصِيَّيْنِ أَنَّهُمَا خَانَا أَوْ غَلَّا شَيْئًا مِنَ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ إِلَيْهِمَا وَظَهَرَ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ استحق عيهم الأوليان} أي متى تحقق بالخبر الصحيح خِيَانَتِهِمَا، فَلْيَقُمِ اثْنَانِ مِنَ الْوَرَثَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلتَّرِكَةِ وَلِيَكُونَا مِنْ أَوْلَى مَنْ يَرِثُ ذَلِكَ الْمَالَ {فَيُقْسِمَانِ بالله لشهادتنا أحق من شهادتما}، أَيْ لِقَوْلِنَا إِنَّهُمَا خَانَا أَحَقُّ وَأَصَحُّ وَأَثْبَتُ مِنْ شَهَادَتِهِمَا الْمُتَقَدِّمَةِ، {وَمَا اعْتَدَيْنَا} أَيْ فِيمَا قلنا فيهما مِنَ الْخِيَانَةِ {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أَيْ إِنْ كُنَّا قَدْ كَذَبْنَا عَلَيْهِمَا، وَهَذَا التَّحْلِيفُ لِلْوَرَثَةِ وَالرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِهِمَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَمَا يَحْلِفُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ إِذَا ظَهَرَ لَوْثٌ فِي جانب القاتل، فيقسم المتسحقون على القاتل فيدفع برمته إليم كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ مِنَ الأحكام.
وقد روى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدمنا بِتَرِكَتِهِ، فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَجَدُوا الْجَامَ بِمَكَّةَ، فَقِيلَ: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ، فَحَلَفَا بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَأَنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} (أخرجه الترمذي وأبو داود، وقال الترمذي: حسن غريب) الآية، ومن الشواهد لصحة هذه القصة ما رواه أبو جعفر بن جرير عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الوفاة بدقوقا؟؟ هذه، قَالَ فَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيَّ يَعْنِي (أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فأخبراه، وقدما الكوفة بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يكن بعد الذي كان عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وقال: فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، بِاللَّهِ مَا خَانَا وَلَا كَذَبَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَمَا وَلَا غَيَّرَا، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ، قَالَ: فَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا، فَقَوْلُهُ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كان عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظَّاهِرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بذلك قصة تميم وعدي بن بداء، وقد

اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 559
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست