responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 554
مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَهْيٌ لَهُمْ عن أن يسألوه عَنْ أَشْيَاءَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي السُّؤَالِ وَالتَّنْقِيبِ عَنْهَا، لِأَنَّهَا إِنْ أُظْهِرَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْأُمُورُ رُبَّمَا سَاءَتْهُمْ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ سَمَاعُهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ»، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عن أنس بن مالك قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبة ما سمعت مثلها قط، وقال فيها: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». قَالَ فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ، لَهُمْ حَنِينٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «فَلَانٌ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية: {لا تسألوا عن أَشْيَآءَ}، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غَضْبَانُ مُحْمَارٌّ وَجْهُهُ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فقال: أين أبي؟ قال: «فِي النَّارِ»، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ»، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، إِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَشِرْكٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ آبَاؤُنَا. قَالَ: فَسَكَنَ غَضَبُهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أشيآء إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية، إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُرْسَلَةً غير واحد من السلف، منهم السدي. قال البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ كُلِّهَا. وَظَاهِرُ الْآيَةِ النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي إِذَا عَلِمَ بِهَا الشَّخْصُ سَاءَتْهُ، فَالْأَوْلَى الْإِعْرَاضُ عَنْهَا وَتَرَكُهَا، وَمَا أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ»، الحديث.
وقوله تعالى: {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} أَيْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي نُهِيتُمْ عَنِ السُّؤَالِ عَنْهَا حِينَ يَنْزِلُ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تُبَيَّنُ لَكُمْ، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، ثُمَّ قَالَ: {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} أَيْ عَمَّا كَانَ مِنْكُمْ قَبْلَ ذَلِكَ {وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} وَقِيلَ المراد بقوله: {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} أَيْ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ تَسْتَأْنِفُونَ السُّؤَالَ عَنْهَا فَلَعَلَّهُ قَدْ يَنْزِلُ بِسَبَبِ سُؤَالِكُمْ تَشْدِيدٌ أَوْ تَضْيِيقٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»، وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا مُجْمَلَةً فَسَأَلْتُمْ عَنْ بيانها بينت لكم حينئذٍ لِاحْتِيَاجِكُمْ إِلَيْهَا، {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} أَيْ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كِتَابِهِ، فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ فَاسْكُتُوا أَنْتُمْ عَنْهَا كَمَا سَكَتَ عَنْهَا. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: «ذروني وما تركتكم، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ»، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا: «إن الله تعالى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلَا تَسْأَلُوا عنها» ثم قال تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ} أَيْ قَدْ سَأَلَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ فَأُجِيبُوا عَنْهَا ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ، أي بسببها، أي بينت لهم فلم يَنْتَفِعُوا بِهَا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا عَلَى وَجْهِ الاسترشاد بل على وجه الاستهزاء والعناد. وقال العوفي عن ابن عباس في الآية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: «يَا قَوْمِ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ» فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَأُغْضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قلت: نعم،

اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 554
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست