responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 540
لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} مَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ كُفْرِ اليهود كفر عِنَادٌ وَجُحُودٌ، وَمُبَاهَتَةٌ لِلْحَقِّ، وَغَمْطٌ لِلنَّاسِ، وَتَنَقُّصٌ بِحَمَلَةِ الْعِلْمِ، وَلِهَذَا قَتَلُوا كَثِيرًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى هَمُّوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم غير مرة وسمّوه وَسَحَرُوهُ، وَأَلَّبُوا عَلَيْهِ أَشْبَاهَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما خلا يهودي بمسلم قط إلاّ هم بقتله» (رواه الحافظ ابن مردويه)
وقوله تعالى: {ولتجدنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} أَيِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ نَصَارَى مِنْ أَتْبَاعِ الْمَسِيحِ وَعَلَى مِنْهَاجِ إِنْجِيلِهِ فِيهِمْ مَوَدَّةٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ إِذْ كَانُوا عَلَى دين المسيح من الرقة والأرفة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ورهبانية}، وَفِي كِتَابِهِمْ: مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ الْأَيْمَنِ فَأَدِرْ لَهُ خَدَّكَ الْأَيْسَرَ، وَلَيْسَ الْقِتَالُ مَشْرُوعًا فِي مِلَّتِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} أَيْ يُوجَدُ فِيهِمُ الْقِسِّيسُونَ، وَهُمْ خُطَبَاؤُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ، وَاحِدُهُمْ فسيس وَقَسٌّ أَيْضًا، وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى قُسُوسٍ، وَالرُّهْبَانُ جَمْعُ رَاهِبٍ وَهُوَ الْعَابِدُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّهْبَةِ وهي الخوف كراكب وركبان وفارس وفرسان. قال ابن جرير: وقد يكون الرهبان واحداً وجملة، رهابين، مثل قربان وقرابين، وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى رَهَابِنَةٍ، وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَاحِدًا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَوْ عَايَنَتْ رُهْبَانُ دَيْرٍ فِي الْقُلَلْ * لَانْحَدَرَ الرهبان يمشي ونزل
وقال ابن أبي حاتم عن جاثمة بْنِ رِئَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ، وَسُئِلَ عَنْ قوله: {ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً} فقال: هُمُ الرُّهْبَانُ الَّذِينَ هُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالْخَرَبِ، فَدَعَوْهُمْ فِيهَا، قَالَ سَلْمَانُ: وَقَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ}، فَأَقْرَأَنِي: «ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ صِدِّيقِينَ وَرُهْبَانًا». فَقَوْلُهُ: {ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وهباناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}، تَضَمَّنَ وَصْفَهُمْ بِأَنَّ فِيهِمُ الْعِلْمَ وَالْعِبَادَةَ وَالتَّوَاضُعَ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِالِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ وَالْإِنْصَافِ، فَقَالَ: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ} أَيْ مِمَّا عِنْدَهُمْ مِنَ الْبِشَارَةِ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} أَيْ مَعَ مَنْ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ هَذَا وَيُؤْمِنُ به، وقد روى النسائي عن عبد الله بن الزبير قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي النَّجَاشِيِّ وَفِي أصحابه (قال السهيلي: هم وفد نجران، وكانوا نصارى، فلما سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم بكوا مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق، وآمنوا، وكانوا عشرين رجلاً، وكان قدومهم عليه بمكة، وأما الذين قدموا عليه بالمدينة من النصارى من عند النجاشي فهم آخرون، وفيهم نزل صدر سورة آل عمران، منهم حارثة بن علقمة، وأخوه كرز وأسلم، ولم يسلم حارثة، ومنهم العاقب بن عبد المسيح، وفيهم نزلت: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أبناءنا وأبناءكم}.): {وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأمته، هم الشاهدون يشهدون لنبيهم صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَلِلرُّسُلِ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا، وكانوا (كَرَابِينَ) يَعْنِي فَلَّاحِينَ قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ آمنوا وفاضت أعينهم. قال تعالى: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الحق

اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 540
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست