responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 450
قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَوْلُهُ تعالى: {يُخَادِعُونَ الله والذين آمنوا}، وقال ههنا: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وَلَا شك أن الله لَا يُخَادَعُ، فَإِنَّهُ الْعَالِمُ بِالسَّرَائِرِ وَالضَّمَائِرِ، وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَعَقْلِهِمْ، يَعْتَقِدُونَ أَنَّ أَمْرَهُمْ - كَمَا رَاجَ عِنْدَ النَّاسِ وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أحكام الشريعة ظاهراً - فكذلك يكون حكمهم عند الله يوم القيامة، وإن أمرهم يروج عنده، كما أخبر تعالى عنهم أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْلِفُونَ لَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَالسَّدَادِ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ نَافِعٌ لهم عنده، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يحلفون لكم} الآية، وقتوله: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} أَيْ هُوَ الَّذِي يَسْتَدْرِجُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ وَضَلَالِهِمْ وَيَخْذُلُهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَالْوُصُولِ إِلَيْهِ في الدنيا، وكذلك يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نوركم - إلى قوله - وَبِئْسَ المصير}، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ سمَّع سَمَّعَ الله به، ومن رايا رايا الله به»، وفي الحديث الآخر: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَبْدِ إِلَى الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَيُعْدَلُ بِهِ إِلَى النَّارِ» عِيَاذًا بالله من ذلك.
وقوله تعالى: {إذا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى} الآية، هَذِهِ صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ فِي أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ وَأَفْضَلِهَا وَخَيْرِهَا، وَهِيَ (الصَّلَاةُ) إِذَا قَامُوا إِلَيْهَا قَامُوا وَهُمْ كُسَالَى عَنْهَا، لِأَنَّهُمْ لَا نِيَّةَ لَهُمْ فِيهَا وَلَا إِيمَانَ لَهُمْ بِهَا وَلَا خَشْيَةَ، وَلَا يَعْقِلُونَ مَعْنَاهَا كَمَا رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ كَسْلَانُ وَلَكِنْ يَقُومُ إِلَيْهَا طَلْقَ الْوَجْهِ، عَظِيمَ الرَّغْبَةِ شَدِيدَ الْفَرَحِ، فإنه يناجي الله، وإن الله تجاهه يَغْفِرُ لَهُ وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ، ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كسالى}، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى} هَذِهِ صِفَةُ ظَوَاهِرِهِمْ كَمَا قَالَ: {وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى}، ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى صِفَةَ بَوَاطِنِهِمُ الْفَاسِدَةِ، فَقَالَ: {يُرَآءُونَ النَّاسَ} أَيْ لَا إِخْلَاصَ لَهُمْ وَلَا مُعَامَلَةَ مَّعَ الله، بَلْ إنما يشهدون الناس تقيَّة لهم ومصانعة، وَلِهَذَا يَتَخَلَّفُونَ كَثِيرًا عَنِ الصَّلَاةِ الَّتِي لاَ يَرَوْنَ فِيهَا غالباً ك (صلاة العشاء) في وَقْتَ الْعَتَمَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِ الْغَلَسِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ ومعهم حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عِرْقاً سَمِينًا أَوْ مَرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الصَّلَاةَ، وَلَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنَ النِّسَاءِ والذرية لحرقت عليهم بوتهم بالنار» وقال الحافظ أبو يعلى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْسَنَ الصَّلَاةَ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ، وَأَسَاءَهَا حَيْثُ يَخْلُو، فَتِلْكَ اسْتِهَانَةٌ اسْتَهَانَ بِهَا رَبَّهُ عزَّ وجلَّ»؛ وَقَوْلُهُ: {وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} أَيْ فِي صلاتهم لا يخشعون وَلَا يَدْرُونَ مَا يَقُولُونَ، بَلْ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ لَاهُونَ، وَعَمَّا يُرَادُ بِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ مُعَرِضُونَ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنِ أنس بن مالك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تلكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ: يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ الله فيها إلا قليلاً".
وقوله تَعَالَى: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلَاءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلَاءِ} يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مُحَيَّرِينَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ فَلَا هُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَا مَعَ الْكَافِرِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، بَلْ ظَوَاهِرُهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَوَاطِنُهُمْ مَعَ الْكَافِرِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَرِيهِ الشَّكُّ فَتَارَةً يَمِيلُ إِلَى هَؤُلَاءِ وَتَارَةً يَمِيلُ إِلَى أُولَئِكَ، {كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عليهم

اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 450
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست