responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 427
اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيمًا

عن ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مع المشركين، يكثرون سوادهم عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يأتي السهم يرمى بِهِ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ عُنُقُهُ فيقتل، فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} (رَوَاهُ البخاري) وقال ابن أبي حاتم عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا وَكَانُوا يَسْتَخِفُونَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ فَأُصِيبَ بعضهم، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَانَ أَصْحَابُنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ وَأُكْرِهُوا فَاسْتَغْفَرُوا لَهُمْ فَنَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظالمي أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةِ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَا عُذْرَ لَهُمْ. قَالَ: فخرجوا فلقيهم المشركون فأعطوهم التقية فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يِقُولُ آمَنَّا بالله} (أخرجه ابن أبي حاتم) الآية، قال الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَخَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فَأُصِيبُوا فِيمَنْ أُصِيبَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَامَّةً فِي كُلِّ مَنْ أَقَامَ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَيْسَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إِقَامَةِ الدِّينِ فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُرْتَكِبٌ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ، وَبِنَصِّ هَذِهِ الْآيَةِ حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} أَيْ بِتَرْكِ الْهِجْرَةِ {قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ} أَيْ لِمَ مكثتم ها هنا وَتَرَكْتُمُ الْهِجْرَةَ؟ {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} أَيْ لَا نَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْبَلَدِ، وَلَا الذَّهَابِ فِي الْأَرْضِ {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً} الآية، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ» (أخرجه أبو داود في السنن)
وقوله تعالى: {إِلاَّ المستضعفين} إلى آخر الآية، هذا عذر من الله لِهَؤُلَاءِ فِي تَرْكِ الْهِجْرَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ قَدَرُوا مَا عَرَفُوا يَسْلُكُونَ الطَّرِيقَ، وَلِهَذَا قَالَ: {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} قَالَ مجاهد: يَعْنِي طَرِيقًا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ} أي يتجاوز الله عنهم بترك الهجرة، و (عسى) مِنَ اللَّهِ مُوجِبَةٌ {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} قال البخاري عن أبي هريرة قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ إِذْ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ: "اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِيِّ يُوسُفَ}، وَقَالَ البخاري عن ابن عباس: {إِلاَّ المستضعفين} قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرض مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} وهذا تَحْرِيضٌ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرْغِيبٌ فِي مُفَارَقَةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ حَيْثُمَا ذَهَبَ وَجَدَ عَنْهُمْ مَنْدُوحَةً وملجأ يتحصن فيه، والمراغم مَصْدَرٌ تَقُولُ الْعَرَبُ: رَاغَمَ فُلَانُ قَوْمَهُ مُرَاغَمًا ومراغمة، قال النابغة ابن جَعْدَةَ:
كَطَوْدٍ يُلَاذُ بِأَرْكَانِهِ * عَزِيزُ الْمُرَاغَمِ وَالْمَهْرَبِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَاغَمُ التَّحَوُّلُ مِنْ أَرْضٍ إلى أرض، وَقَالَ مُجَاهِدٌ {مُرَاغَماً كَثِيراً} يَعْنِي: مُتَزَحْزَحًا عَمَّا يكره، والظاهر والله أعلم أنه المنع الذي يتخلص بِهِ وَيُرَاغَمُ بِهِ الْأَعْدَاءُ، قَوْلُهُ: {وَسَعَةً} يَعْنِي الرِّزْقَ قَالَهُ غَيْرُ

اسم الکتاب : مختصر تفسير ابن كثير المؤلف : الصابوني، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 427
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست