اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 95
نبذوه أيضاً! وفي الآية ما فيها من سخرية خفية، يحملها ذلك النص على أن الذين أوتوا الكتاب هم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. فلو كانوا هم المشركين الأميين لكان نبذهم لكتاب الله وراء ظهورهم مفهوماً! ولكنهم هم الذين أوتوا الكتاب. هم الذين عرفوا الرسالات والرسل. هم الذين اتصلوا بالهدى ورأوا النور.. وماذا صنعوا؟
إنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم! والمقصود طبعاً أنهم جحدوه وتركوا العمل به، وأنهم أبعدوه عن مجال تفكيرهم وحياتهم. ولكن التعبير المصور ينقل المعنى من دائرة الذهن إلى دائرة الحس ويمثل عملهم بحركة مادية متخيلة، تصور هذا التصرف تصويراً بشعاً زرياً، ينضح بالكنود والجحود، ويتسم بالغلظة والحماقة، ويفيض بسوء الأدب والقحة ويدع الخيال يتملى هذه الحركة العنيفة. حركة الأيدي تنبذ كتاب الله وراء الظهور..
102- ثم ماذا؟ ماذا بعد أن نبذوا كتاب الله المصدق لما معهم ألعلهم قد لاذوا بما هو خير منه؟ ألعلهم قد لجأوا إلى حق لا شبهة فيه؟ ألعلهم قد استمسكوا بكتابهم الذي جاء القرآن يصدقه؟ كلا.. لا شيء من هذا كله.
إنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ليجروا خلف أساطير غامضة لا تستند إلى حقيقة ثابتة.
«وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ، وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا. يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ. وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ. فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ- وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ- وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ. وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ، وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» ..
لقد تركوا ما أنزل الله مصدقاً لما معهم وراحوا يتتبعون ما يقصه الشياطين عن عهد سليمان، وما يضللون به الناس من دعاوى مكذوبة عن سليمان، إذ يقولون: إنه كان ساحراً، وإنه سخر ما سخر عن طريق السحر الذي كان يعلمه ويستخدمه.
والقرآن ينفي عن سليمان- عليه السلام- أنه كان ساحراً، فيقول:
«وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ» .
فكأنه يعد السحر واستخدامه كفراً ينفيه عن سليمان- عليه السلام- ويثبته للشياطين:
«وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ» ..
ثم ينفي أن السحر منزل من عند الله على الملكين: هاروت وماروت. اللذين كان مقرهما بابل:
«وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ» ..
ويبدو أنه كانت هناك قصة معروفة عنهما، وكان اليهود أو الشياطين يدعون أنهما كانا يعرفان السحر ويعلمانه للناس، ويزعمان أن هذا السحر أنزل عليهما! فنفى القرآن هذه الفرية أيضاً. فرية تنزيل السحر على الملكين.
ثم يبين الحقيقة، وهي أن هذين الملكين كانا هناك فتنة وابتلاء للناس لحكمة مغيبة. وأنهما كانا يقولان لكل من يجيء اليهما، طالباً منهما أن يعلماه السحر:
«وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ» ..
ومرة أخرى نجد القرآن يعتبر السحر وتعلمه واستخدامه كفراً ويذكر هذا على لسان الملكين: هاروت
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 95